الإمام زيد وإحياء فريضة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
آخر تحديث 21-07-2025 16:06

الإمام الولي التقي، والفذ الألمعي زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، واحدٌ من كبار علماء الأُمَّــة وخطبائها، ومن فقهاء أهل البيت عليهم السلام وعلمائهم، نشأ بالمدينة المنورة في بيئة بيت النبوة على طهارة وأخلاق كريمة، فتعلّم العلم، ورضع الحكمة، وأقام بالكوفة، وكان مرجعًا للعلماء؛ إحياءً لسنة جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجهاد والاجتهاد، فكان مرجعًا لأهل التقوى والعلم والإيمان.

وتتلمذ عليه الكثير من العلماء، وإليه تسلسل نَسَب مشيخة علماء الحديث وأئمة المذاهب، فالترمذي ومسلم تتلمذا على البخاري، والبخاري أحد تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل، الذي كان أحد تلاميذ الشافعي، والشافعي تتلمذ على يد الإمام مالك، ومالك تتلمذ على يد محمد بن الحسن الشيباني، والشيباني تتلمذ على يد الإمام أبي حنيفة، الذي تتلمذ على يد الإمام زيد بن علي، الذي نهل العلم عن أبيه زين العابدين علي بن الحسين، الذي نقل العلم عن أبيه علي بن أبي طالب، الذي نقل العلم عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

فالإمام زيد هو واسطة عقد العلماء، ورأس أهل التقوى واليقين في زمانه، والذي اقتفى أثره الأئمة من أهل البيت النبوي، أئمة الزيدية، وانتحوا سبيله، وكان الإمام جعفر الصادق يثني عليه كَثيرًا.

لقد أحيا الإمام زيد فريضة الجهاد بهمته العالية، فالهمم هي التي تجعل الأمم تنهض وتتألق، وتسعى إلى إصلاح شؤونها.

وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثلًا أعلى بشرف همته، وحبه لإصلاح شؤون أمته، فكان الزعيم الأول المؤسّس لدولة الإسلام، وهي أول دولة للعرب المسلمين في التاريخ، وكانت السلطة العليا فيها لنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وفي المدينة المنورة مارست هذه الدولة سلطتها، ونظّمت مجتمعها، وأظهرت دستورها الأول وهو القرآن الكريم، وتعاليم النبي العظيم محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم. وبدأت الدولة الجديدة بناء المجتمع الجديد في المدينة المنورة، وأعدّت العدّة للجهاد، ووحّدت صفوف المهاجرين والأنصار، وعقد الرسول بينهم مؤاخاة شهيرة.

ومن المدينة المنورة انطلق الإسلام، وفُتحت مكة، واعترفت قبائل شبه الجزيرة العربية وحواضرها بالسلطة السياسية في المدينة تحت راية الإسلام، وبين هذه القبائل وفي مضاربها وحواضرها بدأت تتكوّن وتنمو قسمات أجهزة الدولة الحديثة، فكان هناك القضاة، والعمال، وعُرِف أول نظام للضمان الاجتماعي عن طريق الزكاة، والصدقات، التي حدّد مصارفها القرآن، فبلغت السلطة السياسية ذروتها في أواخر عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واكتمل الدين:

 (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسلام دِينًا) [المائدة: 3].

وتواصلت الفتوحات في عهد الخلفاء الذين ساروا على منهاج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحكم، وإقامة العدالة، ورفع راية الجهاد، ولم يقتنِ الخلفاء لأنفسهم أموالًا، ولم يشيدوا قصورًا، لولا بعض هنّات كانت لا تزال تعلَق بأذهان البعض، وهو عدم الرغبة في اجتماع النبوة والخلافة في فرع بني هاشم من البيت القرشي، ظهر ذلك في الاختلاف على تدوين الكتاب الذي أشار إليه رسول الله قبل موته حسب رواية البخاري ومسلم وغيرهما:

"هلمّوا أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده"،

فقال عمر: "إن النبي قد غلب عليه الوجع"، وفي رواية: "هجر رسول الله"، البخاري حديث (5667)، ومسلم حديث (1637)، وأحمد حديث (1935).

ثم حصل الخلاف في سقيفة بني ساعدة، التي غاب عنها الإمام علي بن أبي طالب، وبنو هاشم، والزبير بن العوام، وغيرهم، وسكت الإمام علي عن حقه حفاظًا على بيضة الإسلام، ورغبة في اجتماع كلمة الأُمَّــة، في حين غابت الشورى التي جاء بها الإسلام، والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم في مشاورة المسلمين، في قوله تعالى:

 (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّـهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].

وإذا كانت الشورى واجبة على رسول الله، وهو الذي يمتاز بكماله العقلي والروحي، واتصاله بالوحي الإلهي، فهي على غيره أوجب. فمصطلح "الأمر" في القرآن يدخل فيه أمور السياسة، وشؤون الحكم ومشكلاته، وذلك لعلاقته بالائتمار والأمر، فالصلة وثيقة بين السياسة والشورى، ويؤكّـد هذا المعنى السياق الذي عرض فيه القرآن الكريم لمصطلح الشورى، فجعلها من صفات المؤمنين، الذين تميّزوا بعددٍ من الصفات:

 (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل: 99]،

 (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [الشورى: 38].

ففي الجانب الديني استجابوا لله فآمنوا به، ثم أقاموا الصلاة تصديقًا ودلالةً على هذا الإيمان، ثم إنهم في أمورهم وسياستهم التزموا بالشورى، وقرن الله الشورى بالصلاة والصدقة بيانًا أنها من أسس الإسلام، وأن الاستبداد ليس من شؤون المؤمنين؛ لأَنَّ الاستبداد وطبائعه قد تُخرج الإنسان عن دائرة الإيمان. فقد عرّف العلماء المستبد بأنه: من يفعل ما يشاء غير مسؤول، وأنه يحكم بما يقتضيه هواه، وافق الشرع أَو خالفه، ناسب السنّة أَو نابذها. ومن أجل هذا ترى الناس كلما سمعوا هذا اللفظ، أَو ما يضارعه، صرفوه إلى هذا المعنى، ونفروا من ذكره لعظم مصابهم منه، وكثرة ما يجلب على الأمم والشعوب من الأضرار. وقد كان للصحابة، رضوان الله عليهم، عذرٌ في عدم ممارستها آنذاك خشية حصول فتنة كما رُوي.

غير أن الظاهر أن عصبية قريش قبل الإسلام كانت لا تزال متجلية في الفرع الأموي أكثر من تجلّيها في أي فرع آخر من فروع هذه القبيلة، التي كانت حديثة عهد بالإسلام. وقد توارث أبناء الفرع الأموي المسؤوليات والمناصب ذات الخطر المادي والعسكري في مكة قبل الإسلام، فلما جاء عصر النبوة والرسالة في الفرع الهاشمي، لعب الأمويون دورًا قياديًّا في مناهضة الإسلام ورسوله، حتى دانوا بدين الدولة الإسلامية الجديد مخافة القتل عند فتح مكة بجيش الدولة الإسلامية سنة 8 للهجرة.

وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كان الأمويون لا يزالون دعاة لجعل السلطة في قريش لا في الأنصار، متمسكين بالحديث النبوي: "الأئمة من قريش"، الذي يُجمع عليه أهل السنة، ونقل الشوكاني والنووي إجماع الأُمَّــة عليه عدا الخوارج.

وعندما ولي الخلافة عثمان بن أبي العاص بن أمية، اتخذ الأمويون هذا الظرف سبيلًا لفرض سيطرتهم على مقاليد دولة الخلافة، خَاصَّة في السنوات الأخيرة من خلافة عثمان، مما أَدَّى إلى ثورة قُتل فيها عثمان، وبايع فيها المهاجرون والأنصار وجمهور المسلمين في المدينة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام خليفةً للمسلمين، فناهضه الأمويون، ورفض معاوية الاعتراف بشرعيته السياسية، ومضى الأمويون في طريقهم حتى اجتمع لهم الأمر بقيادة معاوية بن أبي سفيان سنة 40 للهجرة. ولرغبة الإمام الحسن في اجتماع الأُمَّــة وإيقاف نزيف الدم، بعد أن أخذ على معاوية العهد في الحكم بكتاب الله، وسنة رسوله، وعدم العهد إلى أحد من قرابته، وإعادة الأمانة والشورى إلى أهلها، ولكن معاوية نكث العهد، وفرض يزيد على رقاب الأُمَّــة، فقتل الإمام الحسين سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة، وقُتل أبناء المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة في يوم الحرة.

وكان اعتماد الدولة الأموية على سلاح العصبية قد امتد ليميزوا بين أبناء الإسلام، فحصل تمرّد ابن الزبير على هذه الدولة، إلى أن تمكّن من القضاء عليه الحجّاج في أَيَّـام عبدالملك بن مروان، وظهرت الشعوبية المناهضة للعروبة في أَيَّـام الدولة الأموية، نتيجة التمايز الذي حصل بين المواطنين من قبل الدولة، وتصاعد اضطهاد أهل الشرف من أهالي اليمن، ومن أهل بيت رسول الله، ومن الفُرس وغيرهم.

لقد خرجت ممارسة البيت الأموي للسلطة عن الحكم بالقرآن، والغاية التي يُنصب فيها الخليفة لحمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي، وحماية مصالح الأُمَّــة، والقيام بواجب الجهاد، إلى نظام الاستبداد، مع أن الرئاسة العامة في أمور الدنيا والدين تعني السهر على تطبيق أحكام القرآن، والدفاع عن المسلمين والإسلام، ورفع راية الجهاد، وهو ما تخلف الكثير عنه في قيادة الدولة الأموية.

ولما كانت الإمامة تنعقد بالبيعة، وقد بايع الإمام زيد على السلام جمهورٌ من أعيان الأُمَّــة وعلمائها وأهل الحل والعقد فيها، ومنهم الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه، فقد تعيّن على الإمام زيد رضي الله عنه القيام بالواجب الإسلامي والإنساني، ورفع راية الجهاد في وجوه الظالمين في الدولة الأموية، التي كان يقودها هشام بن عبدالملك، أداء للأمانة، وسعيًا لإنقاذ الأُمَّــة، فرفع راية الجهاد، وأسس حركة الإصلاح، التي سار عليها أئمة الهدى وأهل التقوى حتى يومنا هذا.

فكان جهاده وقتاله فيه حياةٌ للأُمَّـة وقمعٌ للظلم:

 (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخرة ۚ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 74].

فلئن قُتل الإمام زيد؛ مِن أجلِ إحياء شريعة الله، فهو حيٌّ كما أخبر الله في كتابه:

 (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران: 169].

فإحياء ما جاء به القرآن هو إحياءٌ لنفوس البشرية كلها، فقد خاطب الله رسوله بقوله:

 (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الشورى: 52].

فالله سبحانه وتعالى جعل القرآن روحًا؛ لأَنَّه تحيا به نفوس الخلق، فله فضل الأرواح في الأجساد، وجعله نورًا يضيء كضياء الشمس في الآفاق.

ولم تمضِ الأيّام طويلة حتى زالت الدولة الأموية، وها هي الأُمَّــة اليوم تحيا بإحياء منهج الجهاد، الذي يسير عليه أنصار الله في يمن الإيمان والحكمة بقيادة قائد المسيرة القرآنية، وفي إيران بقيادة الإمام علي خامنئي، ويحمل الفلسطينيون مشعل الجهاد ضد الصهيونية اليهودية التي تعيث في الأرض فسادًا، وسيتحرّر الأقصى بإذن الله، ويرتفع الظلم عن فلسطين بفضل الله، ثم بفضل المجاهدين، وبدماء الشهداء الزكية:

 (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) [الشعراء: 227]،

وسينتصر القرآن بنهجه الشوروي العادل ليحكم الأرض كلّها بإذن الله:

 (لَيَنْصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].


العميد شحادة: اليمن بات خطرًا استراتيجيًا كبيرًا على "إسرائيل" وقدراته تجعله معضلةً للأعداء
خاص | المسيرة نت: أكد خبير عسكري لبناني أن اليمن أصبح التهديد الاستراتيجي الكبير للعدو الصهيوني، في ظل القدرات المتصاعدة مقابل الفشل الصهيوني الذريع في مواجهة الردع اليمني.
العفو الدولية: الحديث البريطاني عن معاناة غزة فارغ ما لم تتوقف "لندن" عن دعم "إسرائيل"
متابعات | المسيرة نت: اعتبرت منظمة العفو الدولية أن حديث وزير الخارجية البريطاني بشأن معاناة أبناء غزة فارغ ما لم توقف لندن الدعم الذي تقدمه للكيان الصهيوني.
واشنطن بوست: إحداث الشلل الكامل في "ميناء إيلات" يكشف فاعلية العمليات اليمنية
وكالات | المسيرة نت: أكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن إغلاق ميناء أم الرشراش بصورة نهائية يعكس فاعلية وقوة الضربات اليمنية.
الأخبار العاجلة
  • 05:27
    مصادر فلسطينية: قوات العدو تشن حملة اعتقالات في قرية إماتين شرقي قلقيلية وتداهم عددا من البلدات بالضفة الغربية المحتلة
  • 04:16
    فورين بوليسي: أطقم السفن التي تعبر البحر الأحمر بدأت تستخدم أجهزة اللاسلكي لإبلاغ اليمنيين بجنسياتهم لحماية أنفسهم
  • 04:15
    فورين بوليسي: أي محاولة تسلل عبر البحر الأحمر هي مقامرة محفوفة بالمخاطر وقد تُكلف بحارة حياتهم
  • 04:14
    فورين بوليسي عن سكرتير لجنة الحرب المشتركة في صناعة التأمين البحري: أهداف اليمنيين تشمل أي شركة زارت سفنها الموانئ "الإسرائيلية" وهذا تحذير واضح
  • 04:13
    فورين بوليسي عن نيل روبرتس سكرتير لجنة الحرب المشتركة في صناعة التأمين البحري: الهجمات اليمنية هذا الشهر أظهرت تنسيقًا جديدًا وإصرارًا واضحًا لإغراق السفن
  • 03:26
    مصادر فلسطينية: مستوطنون يهاجمون قرية برقا شرق مدينة البيرة في الضفة الغربية المحتلة