"المسيرة".. من رحم المعاناة إلى مِنصة وعي تهزم الطغيان

في زمنٍ طغى فيه الزيف على الحقيقة، وارتدى
الباطل أثوابَ الصدق في قنواتٍ تعيش على موائد المال السياسي، أصبح الإعلام خنجرًا
في خاصرة الأُمَّــة.
كثير من المنابر التي أنشئت باسم
الجماهير لم تلبث أن تحوّلت إلى مِنصات تروّج لسياسات الأعداء، تبثّ الوهن وتسوّق
التطبيع وتُلبّس الاحتلال لباس السلام.
إعلام مأجور لم يُتقن إلا فن التلاعب
بالعقول وتزييف الواقع، حتى غدت كثير من الشعوب تائهة في متاهات التضليل، لا تكاد
تميز بين الحق والباطل، وبين المعتدي والمظلوم.
وسط هذا الخراب الإعلامي، خرجت شبكةُ
"المسيرة" من قلب الوجع اليمني، من رحم المعاناة والحصار، لتقول كلمتها
دون ارتباك، ولترفع راية المستضعفين في زمن الصمت والخضوع. لم تُولد في استوديوهات
لامعة، ولا دعمتها مؤسّسات ضخمة ولا إمبراطوريات تمويل، بل خرجت بإمْكَانات
متواضعة لكنها مشبَّعة بالإيمان والصدق، انطلقت كطلقة من قلب شعبٍ ينزف لكنه لا
يستسلم، فكانت المسيرة صوتًا لهُوية مقاومة، ورسالة شعب، وضمير أُمَّـة.
كانت بدايتها شاقة، محفوفة بالتحديات
من كُـلّ اتّجاه. واجهت الحجب الممنهج من الأقمار الصناعية، وتعرضت لحملات تشويه
مدروسة، وضُيّق عليها في كُـلّ مجال، ومع ذلك لم تتوقف، بل ازداد لمعانها كلما
اشتدت الحملة عليها. لم تكن مُجَـرّد قناة تنقل الخبر، بل كانت تصنع الموقف، وترسم
البوصلة، وتبني وعيًا منيعًا في وجه مشاريع التجهيل. لقد أثبتت أن الإعلام يمكن أن
يكون جبهة قتال لا تقل شأنًا عن ميادين المواجهة، وأن الكلمة الصادقة قد تفعل في
وعي الأُمَّــة ما لا تفعله الجيوش.
المسيرة لم تقدم فقط نشرات إخبارية، بل
قدّمت شهداء من خيرة رجالها، أُولئك الذين تحَرّكوا بالكاميرا كما يتحَرّك المجاهد
بالبندقية. كانت الصورة عندهم ميدانًا، والكلمة قذيفة، والحقيقة هي الهدف الأسمى. سقط
منهم شهداء من سقط، وواصل الآخرون الطريق بكل إيمان وثبات. لم تكن دماء الشهداء
تكتب نهاية، بل كانت توقيعًا على استمرار الرسالة، وعلى عهد لا يخون ولا يلين.
من القصص التي لا تُنسى، ذلك المشهد
المؤثر لمقدم النشرة عبدالسلام جحاف، الذي وقف على الشاشة يؤدي عمله في نقل الخبر،
بينما كان ولده يُشيّع إلى مثواه الأخير. مشهدٌ يلخّص مدرسة بأكملها، مدرسة
عنوانها التضحية والوعي، حَيثُ تصبح القضية أعظم من الوجع الشخصي، والرسالة أكبر
من الحزن، والموقف أعمق من كُـلّ عاطفة.
المسيرة لم تكن حيادية بالمعنى
البارد الذي تطالب به المؤسّسات الغربية، بل كانت منحازة للحق، وهذا هو أشرف أنواع
الانحياز. كانت في صف المظلوم، لا تراوغ، ولا تُجامل، ولا تتلون. تناولت قضايا
فلسطين بصدق نادر، وانحازت للمقاومة في لبنان، وكشفت جرائم العدوان في اليمن دون
مواربة، ووقفت مع كُـلّ حرّ في هذه الأُمَّــة ينشد الكرامة والحرية.
امتدت رسالتها إلى خارج حدود اليمن، وتجاوزت
جمهور الداخل لتصل إلى العرب والمسلمين في كُـلّ مكان؛ لأَنَّها لم تخاطب بمصطلحات
جغرافية ضيقة، بل خاطبت الضمير الإنساني والوجدان العربي والإسلامي. ولهذا، لم يكن
مستغربًا أن تُحارب بشراسة، وأن تُصنّف ضمن القنوات "المزعجة" للعدو؛
لأَنَّها ببساطة تخرق جدار الصمت، وتربك الماكينات الدعائية التي تسعى لفرض رواية
واحدة تختزل الصراع في شعارات فارغة.
كوادر هذه القناة ليسوا مُجَـرّد
إعلاميين، بل مقاتلون على جبهة الوعي، يحملون أقلامهم وكاميراتهم كمن يحمل السلاح،
ويخوضون معركة الوعي بكل جدارة. رجال ونساء، يحملون ثقافة القضية، ويتحَرّكون
بإدراك عميق لحجم الدور الملقى على عاتقهم. ولهذا فَــإنَّ الشاشة لا تُقدّم فقط
معلومة، بل تُقدّم رؤية، ولا تكتفي بتغطية، بل تُشكّل وعيًا، وترسّخ موقفًا، وتبني
جيلًا يرى بعين اليقين، لا بعين الوهم.
ورغم ضعف الموارد وشدة العوائق، فقد استطاعت
هذه القناة أن تفرض حضورها في خريطة الإعلام المقاوم، حتى أصبحت مرجعًا موثوقًا في
زمن التزييف، بل وراكمت من المهنية؛ ما جعلها تواكب المعركة إعلاميًّا بتوازنٍ فذ
بين الميدان والتحليل والرؤية. لم تكن مُجَـرّد انعكاس لما يجري، بل كانت من
صانعيه، ترفع الروح المعنوية للشعب، وتُقوّي الجبهة الداخلية، وتحفّز على الصمود
والثبات.
كان خصومها يحسبون أنها ستسقط سريعًا،
فإذا بها تصمد، وتكبر، وتنتشر. كانوا يراهنون على محاصرتها، فإذا بها تكسر الحصار
وتخترق الحجب، وتصل إلى كُـلّ بيت يؤمن بأن الإعلام رسالة وليست تجارة. كانوا
يظنون أنها ستُنسى مع الأيّام، فإذا بها تصير ذاكرة الأُمَّــة، وسجلًّا حيًّا للبطولة
والوعي والفداء.
قناة المسيرة أثبتت أن النقاء
الإعلامي لا يحتاج إلى أستوديوهات فارهة، ولا إلى أبراج شاهقة، بل إلى ضمير حي، وعقل
بصير، ونية صادقة، وإيمان راسخ. لقد قدّمت درسًا عمليًّا للأُمَّـة: أن من صدق
الله في نيّته ووقوفه مع المستضعفين، صدقه الله، وأوصله، ونصره، وخلّد صوته في
آذان الأحرار.
وهكذا بقيت المسيرة.. جبهة لا تغفو، ومنبرًا
لا يصمت، وصوتًا لا يُشترى، مدرسة في المهنية والمبدئية، في الوقت ذاته، ومشروعًا
نهضويًّا يعيد تشكيل الوعي الجمعي العربي والإسلامي في زمن الذهول والتخاذل. إنها
ليست مُجَـرّد شاشة، بل نافذة إلى المستقبل الذي نصنعه بالدم والكلمة، وبالصبر والإصرار،
وبالإيمان بأن صوت المستضعفين لا بد أن يصل، ما دام وراءه من يحمل الرسالة ولا
يفرّط.
ختامًا: إلى أُولئك الأبطال الصامتين
خلف الكاميرا وأمامها، إلى المحرّرين والمراسلين والمصورين والمخرجين وكل من سهروا
الليالي ليحملوا رسالة الحق ويُوصلوا صوت المظلوم، نقول: شكرًا بحجم وجع
الأُمَّــة، وامتنانًا بعدد أنفاس الثكالى والمقهورين الذين تنقلون أنينهم للعالم.
يا فرسان الكلمة، ويا جنود الصورة، ويا
حراس الوعي… لقد أديتم الأمانة، وكتبتم بمواقفكم أبلغ الرسائل، وقدمتم بدمائكم أعظم
الدروس، وثبتم حين ارتجف الكثيرون، وصدحتم بالحق حين اختنقت الأصوات.
دعاؤنا لكم، أن يحفظكم الله بعينه
التي لا تنام، وأن يثبت خطاكم، ويسدّد أقلامكم، وينير بصائركم، ويجعل كُـلّ حرفٍ
تخطونه وكل صوتٍ تبثونه في ميزان حسناتكم.
نسأله تعالى أن يجبر كسركم إن وُجد، وأن
يُسدد نيتكم، ويبارك في أعمالكم، ويجزي شهداءكم بأعلى الجنان، وأن يجعل المسيرة
مسيرة نور لا تخبو، وراية لا تسقط، ومنبرًا لا يصمت حتى يُزهق الباطل، ويعلو الحق،
وينتصر المستضعفون.
سيروا وعيون الأُمَّــة إليكم، وقلوب
الأحرار معكم، وثقة الشعوب من خلفكم… فَــإنَّكم لستم وحدكم، بل أنتم نبض أُمَّـة…
ووهج وعي… وعنوان صدقٍ لا يموت.
قال تعالي: {إِنَّ الَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ
عَمَلًا} صدق الله العظيم.
-
05:06مصادر فلسطينية: 3 شهداء وعدد من الجرحى جراء قصف العدو شقة سكنية بحي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة
-
05:06صحيفة معاريف الصهيونية: اليمنيون انتصروا على "إسرائيل" وأغلقوا ميناء "إيلات" الاستراتيجي بشكل فعلي، إنه حدث دراماتيكي حقًا
-
05:05مصادر فلسطينية: قوات العدو الإسرائيلي تنفذ اقتحامات واعتقالات واسعة في بلدات وقرى في رام الله والخليل وجنين ونابلس وطولكرم بالضفة الغربية
-
05:05مصادر فلسطينية: 5 شهداء جراء غارة للعدو على مدرسة أبو حلو للنازحين بمخيم البريج وسط قطاع غزة
-
05:04مصادر سورية : أكثر من 15 بين قتيل وجريح من قوات الجولاني عقب باستهداف مسيرة إسرائيلية رتلاً تابعاً لها على أطراف السويداء
-
05:04وسائل إعلام لبنانية: جيش العدو الاسرائيلي يفجر منزلاً في بلدة حولا جنوبي البلاد