الفردانية في الضفة: هندسة الهزيمة وإنتاج الفلسطيني الجديد
آخر تحديث 10-06-2025 16:02

محمد رسول *

في الضفة الغربية، لم تعد المعركة بين الاحتلال والشعب تُخاض فقط بالبندقية والمدفع. هناك معركة أُخرى، خفية وممتدة، تُشن يوميًّا على الوعي والسلوك، في السوق والبيت، في العمل والهُوية. واحدة من أخطر هذه المعارك هي معركة "الفردانية"، التي بدأت تنخر في البنية الاجتماعية الفلسطينية، وتعيد تشكيلَ علاقة الفرد بقضيته وبأرضه.

اتّفاقية أوسلو، وما ترتب عليها من إفرازات اقتصادية وأمنية وجغرافية، شكّلت نقطة تحول محورية في إعادة تشكيل الشخصية الفلسطينية. لقد ساهمت، بشكل ممنهج، في عملية "كيّ الوعي"، وأنتجت نموذجًا لفلسطيني جديد، متماهٍ مع مشروع الاستعمار، يخضع للمنظومة ولا يواجهها.

من أخطر أدوات هذه العملية كانت تقسيمات الضفة الغربية، والتي هندسها الاحتلال، وتم تثبيتها عبر أوسلو؛ لتصبح حدودًا فعلية تفصل الفلسطيني ليس فقط عن أرضه، بل عن ذاته وجماعته. هذه التقسيمات المعروفة بمناطق A وB وC ليست مُجَـرّد توزيع إداري، بل أُسلُـوب في الحكم والسيطرة.

لفهم تأثير هذه الاتّفاقية على الواقع الفلسطيني، لا بد من التوقف عند تفاصيل تقسيم مناطق الضفة:

منطقة A: وتشكل نحو 18 % من مساحة الضفة الغربية، وتضم المدن الفلسطينية الكبرى مثل: نابلس، رام الله، بيت لحم، جنين، طولكرم وقلقيلية. تخضع هذه المنطقة شكليًّا للسيطرة الأمنية والمدنية الكاملة للسلطة الفلسطينية.

منطقة B: وتشكل حوالي 22 % من مساحة الضفة، وتشمل معظم القرى والمناطق الريفية. للسلطة الفلسطينية صلاحيات مدنية محدودة، بينما يحتفظ الاحتلال بالسيطرة الأمنية الكاملة.

منطقة C: وتشكل قرابة 60 % من الضفة الغربية، وهي تحت السيطرة الأمنية والمدنية المباشرة للاحتلال الإسرائيلي. تضم مستوطنات، ومناطق عسكرية، وأراضيَ زراعية واسعة، وطُرُقًا التفافية. يعيشُ فيها نحو 300 ألف فلسطيني يُحرَمون من الخدمات الأَسَاسية، ويُمنعون من البناء أَو الزراعة أَو التطوير دون إذن من "الإدارة المدنية"، وغالبًا تُقابل طلباتهم بالرفض.

لم تكن هذه التقسيمات تقاسُمًا إداريًّا للأدوار، بل كانت وسيلةً لهندسة الهزيمة وتدجين الشعب. فقد أسهمت في تقويض البنية الاقتصادية الفلسطينية، لا سِـيَّـما عبر السيطرة الإسرائيلية على الموارد الزراعية والمائية، والتي تمركزت جميعُها تقريبًا في منطقة C، وجُعِلت خارجَ متناول الفلسطينيين. هذا الواقع أَدَّى إلى تدهور الزراعة، وارتفاعِ معدلات البطالة، وتضييقِ سُبُلِ العيش.

وبسبب هذا الخنق الاقتصادي، لم يكن أمام الكثير من الفلسطينيين إلا البحث عن لقمة عيشهم داخل المنظومة الاحتلالية. لكن حتى ذلك لم يكن متاحًا للجميع. لكي يحصل الفلسطيني على تصريح عمل داخل (إسرائيل)، يجب أن يخضعَ لموافقة الشاباك الذي يضع معاييرَ صارمةً أبرزُها "السجل الأمني". يكفي أن تكون لك مشاركة في مظاهرة، أَو نشاط على مواقع التواصل، أَو أن يكون قريبٌ لك من الدرجة الأولى شهيدًا أَو أسيرًا أَو حتى صاحب مِلف أمني، ليُرفَضَ طلبُك.

وهكذا، أصبحت الحاجة إلى العمل أدَاة ابتزاز. ففي كثير من الحالات، يُعرض على المتقدم "التعاون" مع الاحتلال مقابل الموافقة على التصريح، ومن يرفض يُمنع من العمل. بهذه الطريقة، يتحوَّلُ الاقتصادُ إلى سلاح، والتصريح إلى أدَاة لتفكيك الهُوية، والبطالة إلى عقاب جماعي.

أمام هذا الواقع، يجدُ الفلسطيني نفسَه بين خيارَينِ: مقاومة الطغيان والمواجهة مهما كان الثمن، أَو الخضوع والمهادنة مقابل فُتات من خيرات أرضه المسلوبة. ما نراه اليوم من حالة الركود والتباعد في الضفة الغربية، في ظل أشرس حرب إبادة تُمارس على غزة، هو ترجمة عملية لهذا الفلسطيني الجديد، الذي جرى تشكيله على مدى عقدين من الزمن. باستثناء المخيمات، التي ما تزال تُعامَل كمساحات أمنية يصعب إخضاعها، فَــإنَّ الطابع العام هو شخصية مسحوقة تحت أعباء المعيشة، ومنكفئة على ذاتها.

في هذا السياق، تغدو الفردانية ليست مُجَـرّد خيار شخصي، بل موقف سياسي في صُلب مشروع استعماري طويل الأمد. بين التصريح والمقاومة، تقفُ الشخصيةُ الفلسطينية في لحظة اختبار: إما أن تُفكّك كجماعة، أَو أن تعيد اكتشافَ قوتها في التضامن والكرامة والانتماء.

وهنا بالضبط، تكتسب كلمات فرانز فانون معناها الكامل:

«الاستعمار يُجبر المستعمَر على أن يرى نفسَه من خلال عيون المستعمِر. وكلما حاول أن يكون مقبولًا، ازداد اغترابًا».

* ناشط الفلسطيني

قبائل الجوف تحتشد في 50 ساحة وتؤكّـد استعدادها لكل الخيارات الرادعة التي يتخذها السيد القائد
في مشهد مهيب، تقاطرت قبائلُ الجوف الوفية، عصر الجمعة، إلى 50 ساحة جماهيرية حاشدة، للمشاركة في مسيرات "مُستمرّون في نصرة غزة ومواجهة الاستباحة الصهيونية للأُمَّـة".
ناطق القسَّام: نتجه لعمليات نوعية قاتلة وَإذَا أفشل العدوّ المفاوضات فلن نعود إلى البنود التي عرضناها
أكّـد ناطق كتائب القسَّام، أبو عبيدة، أن "المقاومة الفلسطينية ستتجهُ إلى تنفيذ عمليات نوعية تنهك العدوّ الصهيوني"، لافتًا إلى أن "سعي العدوّ إلى إفشال المفاوضات سيقوده إلى خسارة البنود التي كانت المقاومة قد أعلنتها، من بينها الأسرى العشرة، التي لن تعود مرة أُخرى" وفق تأكيده.
الأورومتوسطي: الموقف الأوروبي يغذي الإبادة في غزة ويكرس احتلال الأرض
أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الموقف الأوروبي يغذي الإبادة الجماعية بغزة ويكرس الاحتلال للأرض الفلسطينية.
الأخبار العاجلة
  • 20:02
    مصادر فلسطينية: شهيدان وجرحى في قصف مدفعية العدو مدرسة تؤوي نازحين قرب منطقة أبو اسكندر في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة
  • 19:59
    مصادر فلسطينية: استشهاد فتى برصاص العدو بعد أن تركه الصهاينة ينزف حتى ارتقائه في بلدة يعبد جنوب غرب جنين بالضفة المحتلة
  • 19:58
    مصادر فلسطينية: شهداء وجرحى في قصف مدفعية العدو مدرسة تؤوي نازحين قرب منطقة أبو اسكندر في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة
  • 19:58
    مصادر فلسطينية: شهيدان بإطلاق نار من مسيّرات العدو الإسرائيلي على خيام للنازحين غرب محافظة خان يونس
  • 19:57
    مصادر فلسطينية: جرحى جراء قصف العدو منزلا لعائلة العبسي قرب مفترق أبو مازن غرب مدينة غزة
  • 19:57
    سرايا القدس: دمرنا آلية عسكرية صهيونية بتفجير عبوة جانبية من نوع (ثاقب) في منطقة أبو هداف شمال شرق مدينة خان يونس