إرادة الله وحكمته في يوم الفرقان

من هنا نتطلع إلى هذا اليوم (يوم الفرقان) على أنه يومٌ فارقٌ في التاريخ، ويومٌ عظيم، ويومٌ مهم، أسس لمرحلةٍ جديدة، هو لم يكن نهاية المعركة مع الأعداء، هو كان بداية المعركة مع الأعداء، ولكنه أسس لمرحلة جديدة، ولنقلة جديدة؛ لأن الانتصار في هذا اليوم طمأن الكثير من الناس، عزز الثقة بالله، أعطى الأمل لكثيرٍ من اليائسين، غيَّر النظرة التي كانت ترى بأنه من المستحيل أن ينتصر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ومعه جنوده،
وهم في ذلك المستوى من الإمكانات المتواضعة والبسيطة، وهم في ذلك المستوى مما يعانونه من قلة العدد والعدة، في مقابل الأعداء وما يمتلكونه من قوة وإمكانات مادية، فهذا النصر أسهم في تغيير نظرة الناس، وفي طمأنتهم، وفي تعزيز الأمل والثقة، وغيَّر الموازين والمعادلات التي كانت قائمة في الساحة، وصنع معادلات جديدة في الصراع، وفي نفس الوقت وجَّه ضربةً مؤلمةً جدًّا للأعداء، وبالذات لقريش، الذين كانوا هم أول فئة في الساحة تتصدر لمواجهة الإسلام ومواجهة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، وتخوض معه المعركة، هذا العدو الذي نزل إلى الميدان ليخوض المعركة العسكرية، وإلَّا هو كان يخوض الصراع في أبعاده وجوانبه الأخرى، لكنه عندما نزل المعركة العسكرية، فواجه فيها هذه الهزيمة القاسية، وقُتِل فيها الكثير من قاداته، ومن أبطاله، ومن جنوده، وأسر الكثير منهم، كانت ضربةً قوية ومؤثرة جدًّا، وأثَّرت فيما بعدها، واستمر تأثيرها فيما بعدها وصولاً إلى يوم الفتح، من يوم الفرقان إلى يوم الفتح (يوم فتح مكة)، من السنة الثانية للهجرة النبوية، إلى السنة الثامنة للهجرة النبوية، استمرت التأثيرات وبركات هذا اليوم، ثم استمرت وامتدت إلى عصرنا وإلى زمننا؛ لأن المعركة في بدر كانت معركةً مصيرية، كان التهديد فيها على النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- وتلك المجموعة معه من المسلمين الذين كانوا معرَّضين للإبادة، وكانت المعركة مصيرية بما تعنيه الكلمة.
فهذا اليوم (يوم الفرقان) الذي وصل فيه النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- واتجه إلى بدر، وعندما وصل إلى هناك كان يؤمِّل ومعه المسلمون أنهم إما أن يواجهوا إحدى الطائفتين: إمَّا أن يظفروا بالطائفة التي هي طائفة القافلة التجارية ومن معها، معها: أبو سفيان أهم شخصية قيادية للأعداء، ومعه أيضاً البعض معه لحماية القافلة، والقافلة كانت قافلة تجارية كبيرة يمكن أن تؤثِّر في الوضع الاقتصادي على قريش، وهم كانوا يريدون الاستفادة منها في تمويل عملية عسكرية كبيرة تستهدف النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- والمسلمين في المدينة، أو أن يظفِّرهم الله -سبحانه وتعالى- وينصرهم في مواجهة الجيش العسكري، الذي قد خرج أصلاً من مكة ووصل إلى بدر، ولهذا يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}[الأنفال: 7-8]، كانت إرادة الله -سبحانه وتعالى- أن يظفر المؤمنون بالجيش العسكري، بالقوة العسكرية، بالطائفة التي خرجت لتقاتل، وليس بالقافلة التجارية، حكمة الله -سبحانه وتعالى- وفي تدبيره -جلَّ شأنه- أنَّ هذا هو الأهم: الظفر عسكرياً كان هو الأهم من الظفر بالقافلة التجارية ومعها الأسرى الذين كان بالإمكان أن يأسروهم.
وكما قلنا الكثير تغيب عنهم هذه الحسابات وهذه الاعتبارات: إيجابية الصراع العسكري، وما يترتب عليه من نتائج مهمة في الواقع، القرآن الكريم كم فيه من حديثٍ واسع يعطينا نظرةً واقعية، وفهماً صحيحاً لواقع الحياة، وللناس، يقدم التقييم للناس: أنَّ قوى الشر، قوى الإجرام، قوى الطغيان في الأرض من البشر، لا يمكن أبداً أن يدعوا من يريدون التحرك على أساس هدى الله، على أساس الاستقلال وبناء حياتهم ومسيرة حياتهم وشؤونهم على أساس تعليمات الله -سبحانه وتعالى-، لا يمكن أن يدعوهم وشأنهم، هم يسعون دائماً إلى الاستحواذ، إلى السيطرة، هم يعيشون حالة الطغيان، ويمارسونها في الواقع العملي: سياسات، ومواقف، وتوجهات، ويسعون إلى السيطرة على الآخرين، والسيطرة التي فيها ظلم، فيها ضلال، فيها إذلال، فيها قهر، فيها استعباد.
ولذلك فالرسالة الإلهية هي نعمة، هي رحمة من الله -سبحانه وتعالى-، هي عملية إنقاذ، وهي متكاملة، هي مشروعٌ متكامل، لا تلحظ فقط الجانب الروحي، أو تلحظ فقط الجانب السلوكي والأخلاقي، إنما هي تشمل كل ما يضمن للأمة أن تستطيع أن تقوم، أن تنهض، أن تتحرر، أن تحظى بالعدل، أن تدفع عن نفسها الظلم، أن تدفع عن نفسها الاستعباد، بل هذا من أعظم ما في الرسالة الإلهية، لو استبعدنا هذا الجانب، وأبقينا الحالة حالة طقوس معينة، يتكيف فيها الناس مع العبودية للطاغوت والاستكبار، وللمجرمين والظالمين والمفسدين في الأرض، لكانت المسألة نقصاً كبيراً جدًّا في هذا الدين، لكانت إيجابيته في الحياة إيجابية محدودة للغاية، محدودة للغاية، وهذا هو الواقع الذي كان عليه أهل الكتاب ماقبل الرسالة الإسلامة، ما قبل رسالة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- والبعثة له، كانوا قد تكيَّفوا مع الواقع، كانوا قد استبْقوا فقط من الرسالة الإلهية- رسالة الله إلى عيسى، ورسالة الله إلى موسى- طقوساً معينة، وبعضاً من الشرائع، بعضاً من التعليمات المحدودة، مع تكيُّفٍ تام مع الطغاة، مع الظالمين، مع المجرمين، مع المفسدين، فأذهبوا عن الرسالة أهم ما فيها، وأفقدوها إيجابيتها في الحياة، لم تعد رسالة تعبِّد الناس تعبيداً كلياً لله، وتحررهم تحريراً كاملاً من العبودية لغيره، |لا| إنما دخلت فيها آفات وانحرافات وعملية تحريف، عملية تحريف وعملية انحراف عملي جعلتها تتكيف مع ذلك الواقع؛ حتى أفقدتها جدوائيتها في الحياة، نفعها في الحياة، إيجابيتها في الحياة، أثرها النافع للإنسان؛ فلم تعد رسالة خلاص، لم تعد رسالة إنقاذ، لم تعد رسالة تحرر، وهذا ما يريده الأعداء للإسلام، وهذا ما سعوا له في ضغوطهم على رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- في بداية رسالته، وهم عملوا بجهدٍ كبير أن يقنعوه أن يتكيَّف معهم كما الآخرين، مثلما هو حال أهل الكتاب، مثلما هو حال اليهود، وكان بالإمكان لو أراد النبي أن يتكيَّف معهم، أن يدخل في تعديلات لهذا الدين، لهذه الشريعة الإلهية، ويُذهِب منها جوهرها ولبَّها وأساسها، ثم يبقي منها طقوساً معينة، كما فعل أهل الكتاب وتكيَّفوا، لكنه لو فعل ذلك لكان ذلك جناية كبيرة على هذه الرسالة الإلهية، ولعاقبه الله -سبحانه وتعالى-، لما سمح له بذلك أبداً، وهو كان أبعد عن كل ذلك -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-، وكان في إيمانه بهذه الرسالة، في ثباته عليها، في يقينه بها، في إيمانه العظيم بالله -سبحانه وتعالى- على نحوٍ لا يمكن أبداً أن يفكر فيه حتى التفكير: بأن يداهن، بأن يغيِّر، بأن يبدل، أو أن يتقوَّل، أو أن يتراجع أبداً.
الله -جلَّ شأنه- قال عنه: {وَدُّوا}[القلم: من الآية 9]، يعني: الأعداء، أولئك الأعداء، أعداء هذه الرسالة وهذا الدين، {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}[القلم: من الآية 9]، ودوا منك يتمنون منك أن تداهنهم، وأن تجاملهم، {فَيُدْهِنُونَ}، فيقابلونك بذلك، تكون عملية مداهنة من الطرفين، ولكنه كان صلباً في ثباته، وقوياً في تمسكه بهذه الرسالة، وهذا ما أثمر- في نهاية المطاف- ثمرةً طيبةً، وثمرةً عظيمة، وحقق نقلات كبيرة جدًّا من بداية أمر الدعوة الذي تحرك فيه الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- بدايةً عجيبةً جدًّا، الواقع العالمي من حوله مظلم، الأفكار، والمفاهيم، والعادات، والتقاليد، والاعتقادات، وواقع الحياة بكله، التركيبة السياسية، التركيبة الاجتماعية... الواقع من حوله بكله واقعٌ مظلم، لكنه تحرك بهذه الرسالة، وبهذا النور، وبهذا الهدى، بعزمٍ وإيمانٍ ويقينٍ وثباتٍ عظيم، فبدأت التغيرات والنقلات من مرحلة إلى مرحلة إلى مرحلة، وصولاً إلى يوم الفرقان.
المحاضرة الرمضانية السابعة عشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1441هـ 10-05-2020

البيضاء: خروج جماهيري في 30 ساحةً يؤكّـد تصاعد الموقف حتى وقف العدوان على غزة
البيضاء| المسيرة نت: خرج أحرار محافظة البيضاء، عصر الجمعة، في 30 ساحة جماهيرية حاشدة، تحت شعار "مُستمرّون في نصرة غزة ومواجهة الاستباحة الصهيونية للأُمَّـة".
شهيدان وجرحى بإطلاق نار من مسيّرات العدوّ الإسرائيلي على خيام للنازحين في غزة
استشهد اثنان وأُصيب عدد من المواطنين بإطلاق نار من مسيّرات العدوّ الإسرائيلي على خيام للنازحين غرب محافظة خان يونس.
الأورومتوسطي: الموقف الأوروبي يغذي الإبادة في غزة ويكرس احتلال الأرض
أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الموقف الأوروبي يغذي الإبادة الجماعية بغزة ويكرس الاحتلال للأرض الفلسطينية.-
21:20مصادر فلسطينية: جيش العدو ينسف مبانٍ سكنية شرق مدينة غزة
-
21:18الشيخ نعيم قاسم: ما دمنا على قيد الحياة لن تحقق "إسرائيل" أهدافها
-
21:18الشيخ نعيم قاسم: حاضرون للمواجهة الدفاعية فيما لو اعتدت "إسرائيل"
-
21:14الشيخ نعيم قاسم: "إسرائيل" لن تستلم السلاح منا
-
21:14الشيخ نعيم قاسم: من أبى وقبل الذل فهذا شأنه ونحن لن نقبل الذل وقد قدّمنا تضحيات كبيرة وقوتنا ساعدتنا على هذه النتيجة
-
21:13الشيخ نعيم قاسم: السلاح يشكل عقبة أمام الإسرائيلي لأنه جعل لبنان يقف على رجليه، ومنع "إسرائيل" من التوسّع