• العنوان:
    غزة تُصلَبُ على مرأى من العالم.. بينَ القصف والجوع وصمت الخِذلان
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
    في غزة، لا حاجةَ للتشبيهات ولا للمبالغات البلاغية. فالمأساةُ هناك ليست قابلة للوصف، ولا تصلح أن تُختزل في تقريرٍ صحفي أَو منشور تضامني.
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

هناك، في ذلك الشريط الساحلي الصغير، تُرتكب جريمة كبرى، جريمة بكل المعايير: إنسانية، وقانونية، وأخلاقية، وتاريخية.

لكن الأخطر من الجريمة، هو أنها ترتكب على مرأى ومسمع من العالم، دون أن يتحَرّك ساكن، إلا لتبرير الجريمة، أَو تبرئة القاتل.

في غزة، لا يموت الناس فقط من القصف، بل من الجوع أَيْـضًا.

لا يموت الأطفال فقط من الشظايا، بل من فقدان الحليب، وغياب الدواء، وندرة الماء.

في غزة، يموت الناس وهم أحياء، محاصَرون بين أنقاض بيوتهم، يقاتلون للبقاء في ظل عتمة الكهرباء، وغياب المستشفيات، وخذلان الضمير العربي والدولي.

تُقصف البيوت بما فيها، وتُباد العائلات بأكملها، دون أن ترف عينٌ في العواصم الكبرى.

يتساقط الأطفال كأوراق الخريف، وتُستهدف المخيمات والمدارس والمستشفيات، وتُحول المساجد إلى ركام، ثم يُسأل الفلسطيني: لماذا تقاوم؟

وتُتّهم غزة بأنها من "بدأت" العدوان، وكأنها مدينة لا تُسمح لها بالحياة إلا على شروط السجان والمحتلّ، وكأنّ من يعيش تحت الاحتلال يجب أن يكون صامتًا، ذليلًا، بلا روح ولا إرادَة.

غزة اليوم لا تواجه الاحتلال وحده، بل تواجه أَيْـضًا جدارًا كثيفًا من الصمت والنفاق الدولي.

ما يُسمى بـ"المجتمع الدولي" غارق في معاييره المزدوجة؛ يندب ضحايا هنا، ويبرّر قتل الضحايا هناك.

تُمنح "إسرائيل" كُـلّ الحق في القتل، ثم تُطالب غزة بالتهدئة!

تُشرعن المجازر تحت عنوان "الدفاع عن النفس"، ثم تُدان صواريخ اليمن والمقاومة؛ لأَنَّها "تهدّد الاستقرار".

يا لهذا العالم المتوحش..

يطلب من غزة أن تموت بصمت، وأن تجوع دون ضجيج، وأن تُدفن دون أن تترك صرخة!

لكن غزة، بكل ما فيها من جراح، ترفض الصمت.

غزة تصرخ، تقاتل، تقاوم، تُربك العدوّ، وتُحرج المتآمر، وتفضح الصامت.

غزة التي بلا جيش نظامي، ولا مظلة نووية، ولا تحالفات استراتيجية (عدا جبهة الإسناد اليمنية)، تقف وحيدة في وجه آلة القتل، ولكنها واقفة بشرف، شامخة بكبرياء، متشبثة بكرامة الأُمَّــة.

في غزة، لا مجال للحياة إلا بالمقاومة.

وفي غزة، تتحول الطفولة إلى بطولة، والأُمهات إلى رموز صبرٍ خارق، والشهداء إلى منارات أمل.

هناك، تُصنع المعجزات من تحت الحصار، وتُزرع الكرامة في رماد البيوت المحترقة.

لكن السؤال الذي ينهش الضمير: أين نحن؟

أين العرب؟ أين المسلمون؟ أين المثقفون؟ أين النخب؟

أين من كان يتحدث عن "الإنسانية الكونية"، وعن "الضمير العالمي"، وعن "العدالة الدولية"؟

هل أصبحت غزة عبئًا ثقيلًا على وجداننا؟

هل أصبح الحديث عن غزة ترفًا إعلاميًّا أَو ورقة للمساومة السياسية؟

إن صمتكم اليوم ليس حيادًا، بل جريمة؛

وخذلان غزة ليس موقفًا سياسيًّا، بل سقوط أخلاقي وإنساني.

كل من يصمت على تجويع أهالي غزة، على قصفها، على حصارها، هو شريك في الجريمة، مهما كانت مبرّراته.

غزة لا تطلب منّا أن نقاتل عنها، لكنها تطلب أن نكون أوفياء للحد الأدنى من الكرامة.

أَلَّا نبيعَ قضيتها في بازار المصالح.

أَلَّا نحوِّلَ مأساتها إلى موسم خطابي موسمي.

أَلَّا تُحمّلوها عبء خِذلانكم وتقصيركم.

غزة تحتاج إلى موقف حازم، لا إلى دموع.

إلى فعل، لا إلى بيانات.

إلى صوتٍ يعلو، لا إلى تغريداتٍ خجولة.

في كُـلّ لحظة تمر، هناك طفل في غزة يحتضر.

في كُـلّ ساعة، هناك أم تودع أبناءها.

وفي كُـلّ يوم، هناك حيٌ يُقصف، ومأساة تُولد من جديد.

فهل نبقى متفرجين؟

إن غزة لم تعد تختبر فقط وحشية العدوّ، بل تختبر معنا أيضًا:

مصداقية الشعارات، وحقيقة الانتماء، وحدود الصبر، ومدى الإيمان بالقضية.

غزة تُصلب كُـلّ يوم، ليس فقط بالقنابل، بل بالصمت العربي، بتآمر الأنظمة، بتواطؤ الإعلام، بجمود الضمائر.

لكن غزة، رغم الألم، لا تنكسر.

رغم الجوع، لا تستسلم.

رغم الخذلان، لا تركع.

غزة تُعلمنا اليوم درسًا لن تنساه الأجيال:

أن الكرامة لا تُشترى،

وأن المقاومة ليست خيارًا، بل قدر،

وأن الأُمَّــة التي تُفرّط في غزة، ستُفرّط في كُـلّ شيء بعدها.

فيا كُـلّ من بقي فيه نبضٌ حر،

يا كُـلّ من لا تزال فلسطين تسكنه،

يا من ضاقت صدوركم من العجز،

اجعلوا من صوتكم رصاصة، ومن موقفكم جدارًا، ومن كلمتكم معركة.

لأنَّ غزةَ لا تموتُ من القصف فقط.. بل من خِذلانكم.