• العنوان:
    سُلطةٌ بلا سيادة
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

لكي نكونَ بصدد دولة لا بُـدَّ من توافر ثلاثة أركان هي: الشعب والإقليم والسلطة. ولكل ركن من هذه الأركان جوانب تفصيلية متعددة، وما يعنينا هنا هو ركن السلطة، وهو ركن مهم لا تقوم للدولة قائمة بدونه، وتنهار وتتلاشى إذَا فقدته، ومن أهم خصائص ركن السلطة السيادة، فلا سلطة بدون سيادة، وللسيادة وجهان: سيادة خارجية وتعني عدمَ خضوع الدولة لأية دولة أَو جهة أجنبية، وسيادة داخلية، وتعني تمتعها بسلطة عليا على جميع الأَفَراد والهيئات.

وبتطبيق ما سبق على السلطة في عدد من الدول العربية نجد أنه لا سيادة للسلطة في هذه الدول؛ نظرًا لخضوعها في جميع تصرفاتها لسلطة جهات خارجية، وحتى لا نذهب بعيدًا علينا التركيز على السلطة في سوريا، التي تعد نموذجًا صارخًا في الوقت الراهن لانتفاء السيادة، فالوافدون الجدد على الحكم في سوريا، زعموا بأنهم ثوارٌ عندما سيطروا على السلطة في شهر ديسمبر من العام الماضي، والجميع يعلم من هم؟ والجميع يعلم ما هو تصنيفهم؟ والجميع يعلم ما هي أهدافهم؟ والجميع يعلم ما هي أهداف القوى التي وقفت خلفهم؟

وشخصيًّا كتبتُ عقبَ الإعلان عن السيطرة على السلطة في سوريا من جانب الوافدين الجدد تحديدًا في 14 ديسمبر2024م موضوعًا بعنوان "وثبة الثوار وسطوة اللصوص"، ويبدو أنني أول من كتب عن هذا الموضوع بكل وضوح، وتم نشره في حينه في صحيفة "المسيرة" وصحيفة "رأي اليوم" الإلكترونية اللندنية، قارنت فيه بين سلوك الثوار وأهدافهم، وبين سلوك اللصوص ومآربهم، ووصلت لنتيجة مفادها أن ما حدث في سوريا من سيطرة على السلطة، لم يكن ثورة، ومن سيطروا لم يكونوا ثوارًا؛ فما حدث كان عبارة عن سطو على السلطة من جانب مجموعة من اللصوص المحليين بإسناد خارجيين، وهو ما دفع البعض إلى اتّهامي بالتحامل وعدم الموضوعية!

وكان واضحًا منذ اللحظة الأولى لاستيلاء الوافدين الجدد على السلطة في سوريا مدى ولائهم للقوى الإقليمية التابعة لقوى استعمارية غربية، واتضح ذلك بشكل أكبر في الأيّام التالية من خلال مواقفهم من قضايا الأُمَّــة العربية والإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين المحتلّة، حين تم الإعلان بشكل واضح أن السلطة في سوريا غيرُ معنية بالمواجهة مع (إسرائيل)، وما تبع ذلك من مواقفَ من المجاهدين من أبناء الشعب الفلسطيني المتواجدين على الأرض السورية، حين تم التخلُّصُ منهم إرضاءً للكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية الغربية.

وتكشَّفت بشكل أوضح توجّـهات الوافدين الجدد على السلطة في سوريا، عقب استهداف الكيان الصهيوني لكل مقومات الدولة السورية، بالذات ما يتعلق بالجانب الدفاعي، ودون أي رد من جانب السلطة الثورية المزعومة؛ باعتبَار أن ما تم استهدافه من جانب الكيان الصهيوني يمثل إرثًا للنظام المخلوع، ورغمَ كُـلّ ذلك توالت الإعلانات عن الرغبة في التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني لمواجهة العدوّ المشترك، والعمل على محاصَرة الجماعات الإرهابية، وَكان المقصود تحديدًا محاصَرة حزب الله في لبنان!

وبمرور الأيّام ازداد انكشافُ الوافدين الجُدُد على السلطة في سوريا، وأنهم عبارةٌ عن عصابات لصوص إجرامية جرى تحريكُها وتمويلُها من جانب قوى خارجية، وأنها تعمل لمصلحة هذه القوى، وأنه لا إرادَة حرة لها، ولا سيادة ولا استقلالَ للسلطة لها عن القوى الخارجية المحركة لها والتي تعملُ لمصلحتها، وعقبَ مسرحية جهود القوى الإقليمية للقاء الإرهابي الجولاني بالمجرم ترامب في عاصمة التآمر الإقليمي الرياض، تم عقب ذلك اللقاء رفعُ العقوبات المفروضة من جانب الإدارة الأمريكية على سوريا، وكذلك من جانب عدد من الدول الأُورُوبية.

وتوالت مظاهرُ انكشاف الوافدين الجدد على السلطة في سوريا بعد إعلان الإدارة الأمريكية رفع اسم أبي محمد الجولاني المسمَّى حديثًا (أحمد الشرع) وهيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب، وهو ما يؤكّـدُ استخدامَ القوى الاستعمارية -وعلى رأسها الإدارة الأمريكية- الجماعات الإرهابية وتحريكها بالاتّجاه الذي يخدم مصالحها، بحيث توفر هذه الجماعات للقوى الاستعمارية المشغلة لها الذرائع اللازمة للتدخل العسكري في شؤون البلدان التي توجّـهها لمزاولة نشاطها الإرهابي فيها!

وعادة ما يأتي تدخل القوى الاستعمارية الغربية تحت عناوين مكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية، لتخليص الشعوب من شرها وخطرها كما حصل في أفغانستان والعراق وغيرهما من البلدان، وفي هذه الصورة تكون القوى الاستعمارية الغربية مرحَّبًا بها؛ باعتبَار أنها تمثل المخلِّص والمنقذ للشعوب من خطر الجماعات الإرهابية، وبمُجَـرّد أن تطأ أقدام المحتلّ أرضَ الدولة وتتم له السيطرةُ على جغرافيتها تتبخر تمامًا الجماعات الإرهابية الإجرامية، وينتهي وجودُها على ارض الواقع، إما بتكليفها بمهامَّ جديدة في بلدانٍ أُخرى أَو التخلص من قياداتها العليا، وترتيب أوضاع أَفَرادها، وفقًا للترتيباتِ المتبعة من جانب القوى الاستعمارية المشغلة والمموّلة لهذه الجماعات!

وما حدث في سوريا مختلفٌ تمامًا عَمَّا حدث في غيرها من البلدان؛ فلم تتمكّن الجماعات الإرهابية من توفير الذريعة المناسبة للقوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية لاجتياح سوريا بقواتها المسلحة، لتخليص الشعب السوري من مخاطر تلك الجماعات الإجرامية؛ فقد تمكّن النظام السابق بالتعاون مع حزب الله والجمهورية الإسلامية وروسيا الاتّحادية من تحجيم الأفعال الإجرامية للجماعات الإرهابية، وهو ما ترتب عليه سحب ذريعة التدخل الشامل من جانب القوات المسلحة للقوى الاستعمارية الغربية.

ومع ذلك وعلى مدى ما يقرب من عقد ونصف عقد من الزمن ظلت تلك القوى تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجماعات الإرهابية، إضافة إلى الدعم المالي السخي من جانب القوى الإقليمية خدمة لأهداف القوى الاستعمارية الصهيوغربية، ولتتمكّن الجماعات الإرهابية في نهاية المطاف من السيطرة على السلطة في سوريا، ولتمثل بذلك النموذج الوحيد والفريد من بين الجماعات الإرهابية التي تسيطر على السلطة بصفتها هذه، ثم تتغير الصفة من جماعات إرهابية إلى قوى وطنية، غير أن سيطرتها على السلطة استمرت لحساب القوى الاستعمارية الغربية!

ولقد أثبتت الوقائع أن الوافدين الجدد على السلطة في سوريا تم تحريكهم منذ البداية وحتى سيطروا على السلطة وبعد ذلك من جانب القوى الاستعمارية الصهيوغربية، وأنه لم تكن لديهم أية توجّـهات ثورية وطنية حقيقية، ولم يكن لديهم أدنى رؤية لما سيكون عليه الحال عقب السيطرة على السلطة؛ ولذلك فقد كانت التصرفات الصادرة عنهم عبارة عن تجاذبات تعبر صراع مصالح القوى الخارجية المشغلة لهم، وما يؤكّـد ذلك أن الوافدين الجدد على السلطة في سوريا لم يعلنوا عن قواعد دستورية استثنائية تنظم شؤون الحكم في المرحلة الانتقالية، وتحدّد واجبات السلطة وعلاقة الدولة بمحيطها الإقليمي وغيرها من دول العالم.

 وحين تم الإعلان عن تلك القواعد متأخرًا بعد أربعة أشهر تقريبًا من عملية الاستيلاء على السلطة جاءت خالية مِمَّـا يفيد أن سلطة الوافدين الجدد تتمتع بإرادَة حرة وبسيادة واستقلال في مواجهة الدول الأُخرى، ولو قارنا سلوك ثورة الشعب اليمني بسطوة لصوص السلطة في سوريا، لتبين الفرق واضحًا وجليًّا بين الثورة والسطو، بين الثوار واللصوص، بين الأحرار والعبيد؛ فبمُجَـرّد نجاح ثورة الشعب اليمني وسيطرة الثوار على مؤسّسات الدولة، تم الإعلان خلال أَيَّـام معدودة تحديدًا في يوم الجمعة، 6 فبراير 2015م عن القواعد الدستورية الاستثنائية المنظِّمة لشؤون الحكم في الفترة الانتقالية.

 وقد تضمنت هذه القواعدُ موقفَ الثوار من دول الجوار، والعلاقة مع دول العالم عُمُـومًا، حَيثُ نصَّت المادة (4) من الإعلان الدستوري على أن (تقومَ السياسةُ الخارجية للدولة على الالتزام بمبدأ حُسن الجوار، وعدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول، واعتماد الوسائل السلمية سبيلًا لحل النزاعات، والتعاون البناء لتحقيق المصالح المشتركة، وبما يحفظُ سيادة الوطن واستقلاله وأمنه ومصالحه العليا).

 والواضح من خلال هذا النص أن الثوار قد وضعوا نصب أعينهم سيادة الوطن واستقلاله وأمنه ومصالحه العليا، وهذا النص لم يكن مُجَـرّد جانب نظري فقط، فقد جسَّده الثوار على أرض الواقع ودافعوا بكل بسالة وإصرار عن السيادة الوطنية على مدى عقدٍ من الزمان في مواجهة أعتى تحالف عدواني إجرامي أُعلن من عاصمة الاستكبار الغربي واشطن، وضم أغلبَ دول المحيط الإقليمي العربي والإسلامي، مسنودًا بالعملاء والمرتزِقة الذي تم جلبُهم من مختلف أصقاع الأرض.

ولأنَّ الإرادَةَ حاضرة والرؤية واضحة؛ فقد تمكّن الشعب اليمني -بعون الله تعالى- وبإمْكَاناته المحدودة من كسر تحالف العدوان الإجرامي؛ ولأنَّ الثورة شعبيّة خالصة فقد تجاوز أثرُ فعلها الثوري الصادق الدفاعَ عن السيادة الوطنية في حدود النطاق الجغرافي للشعب اليمني، إلى الدفاع عن كرامة الأُمَّــة؛ دعمًا وإسنادًا للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الذي تعرض ولا يزال يتعرض لجريمة إبادة جماعية من جانب الكيان الصهيوني وشركائه في الجريمة من القوى الاستعمارية الغربية، وعدد من الأنظمة الوظيفة العربية، ومن بينها نظام الوافدين الجدد على السلطة في سوريا، الذين واجهوا كُـلّ القوى الجهادية المساندة للشعب الفلسطيني في غزة، خدمة للقوى الاستعمارية المشغلة لهم.

وليس مبالغة القول إن الوافدين الجدد على السلطة في سوريا هم مُجَـرّد أدوات رخيصة في يد القوى الاستعمارية الصهيوغربية، ولو لم يكونوا كذلك لكان لهم موقف واضح؛ دفاعًا عن سيادة الدولة، في مواجهة جريمة العدوان التي نفذها الكيان الصهيوني واستهدفت المواقع السيادية في العاصمة دمشق، ومنها وزارة الدفاع، ورئاسة الأركان ومحيط قصر الشعب، الذي يسكنه الإرهابي الجولاني وزمرته، وقد اقتصر الرد من جانب الوافدين الجدد على السلطة في سوريا عديمي الإرادَة وفاقدي السيادة والاستقلال، على عبارات خجولة منها (ندين العدوان) وَ(العدوان يمثل خرقًا للقانون الدولي الإنساني) وَ(يهدفُ العدوان إلى بث التوتر والفوضى) وَ(نحمِّلُ كَيانَ الاحتلال المسؤولية) وَ(نحتفظُ بحقنا في الدفاع بوسائل القانون الدولي)، وَ(مستعدون للتعاوُنِ مع الأطراف للتهدئة بشرط احترام سيادة الدولة)، وَ(نرحِّبُ بالجهود الأمريكية والعربية الرامية لتسوية الأزمة سلميًّا)!

وكذلك الحال فقد اقتصرت مواقفُ المحيط العربي والإسلامي، الذي تفاخر كَثيرًا بدوره في إسناد من وصفهم بالثوار على نظام الأسد الاستبدادي، اقتصرت المواقف على مُجَـرّد إدانات خجولة والدعوة لضبط النفس فلا التركي ترك الصمتَ، ولا السعوديّ سعى للفعل المؤثر بدلًا عن القول الخجول، ولا القطري حرّك فريقَ التدخل السريع المتواجد في سوريا، حتى لإطفاءِ الحرائق التي تسبب بها القصفُ الصهيوني على العاصمة دمشق، فالصمتُ سيدُ الموقف لدى الجميع!