وبينما تُحسَبُ الأيّامُ والليالي في القطاع المنكوب بالدم لا بالساعات، وتسابق المقاومة الفلسطينية الزمن في تعاملها الإيجابي مع الوساطات الإقليمية والدولية لوقف الجرائم الصهيونية؛ كشفت تسريبات إعلامية عن خريطةٍ (إسرائيلية) جديدة لما يسمي "إعادة التموضع" العسكري في القطاع.

خريطةٌ وصفها خبراء ومحللون بأنها "كارثية"، تهدفُ إلى فرض أمر واقع جديد على الأرض، يُرسِّخُ مخطّطات التهجير القسري واسعة النطاق، ويفرض على مئات آلاف الفلسطينيين البقاءَ في مناطق نازحين لا تتوفر فيها مقومات الحياة الكريمة.

 

خرائط إعادة التموضع.. خديعة كارثية:

وفقًا لخبراء ومحللين؛ فَــإنَّ "خرائط إعادة التموضع الإسرائيلية" تعد خديعة كارثية لا يجب أن يوافق عليها المفاوض الفلسطيني مطلقًا؛ كونها تمنحُ جيشَ العدوّ فرصة احتلال مناطق في غزة لم يستطع أن يصلها في ظل القتال خلال حرب الإبادة -مثل شارع السكّة- لتصل المساحة المحتلّة إلى 40 %.

ويحاول العدوّ الإسرائيلي الإيقاعَ بالمقاومة في الفخ الذي أوقعوا فيه لبنان في اتّفاق وقف إطلاق النار هش؛ إذ تترجِم الخريطة عمليًّا مساعيَ الاحتلال وبدعمٍ أمريكي لاستغلال أَيَّـام الهُدنة للبدء بإنشاء معسكرات التهجير القسري التي تسمى بـ"المدينة الإنسانية في رفح"، وانتهاج سياسة الاغتيالات.

ووفقًا للمعطيات؛ فالخريطة ستحرم 700 ألف نازح فلسطيني من العودة لمناطقهم بخلاف اتّفاق يناير 2023م، والموافقة على أي اتّفاق يقبل بهذه الخرائط سيرسِّخها مستقبلًا ويجعلها منطلقًا لقضم مساحات أُخرى من القطاع لصالح مناطق تواجد جيش الاحتلال.

تسريبُ الخريطة في هذا الوقت الحسّاس يكشفُ للجميع بمن فيهم أهل غزة حقيقةَ موقف المفاوض الفلسطيني الرافض للصِّيَغ والمقترحات الإسرائيلية الأمريكية، ويضع الجميع أمام حقيقة الطرف الذي يضع الشروط التعجيزية والمعطِّلة للوصول إلى اتّفاق.

 

دعاية تضليلية ومناورات شكلية:

وتكشف المعطيات والتحَرُّكات السياسية والإعلامية عن استراتيجيةٍ (إسرائيلية) مبيَّتة تهدفُ إلى إفشال مفاوضات وقف إطلاق النار، وتحويلها إلى مسرحيةٍ سياسية تخدم أجندات داخلية وخارجية للاحتلال.

ويرى الخبراء أن الاحتلالَ ينتهجُ مسارًا مزدوجًا ومخادِعًا، يرتكز على الدعاية التضليلية والمناورات الشكلية، والقتل اليومي، وتعطيل المساعدات، ورفض الانسحاب، وفرض واقع تهجيري قسري، تحتَ غطاء أمريكي وفراغ تفاوضي متعمَّد، ووسط صمت دولي مريب.

الآلةُ الدعائية الصهيونية تعتمدُ على استراتيجيةٍ إعلامية كاذبة، تقومُ على تضخيم احتمالات التوصُّل لاتّفاق؛ بينما يتشدّد ويتعنت العدوّ في غرف التفاوض؛ بهَدفِ خداع الرأي العام وخلق ضغط نفسي على المقاومة والوسطاء.

في السياق، فضحت تقاريرُ صحفية دولية عدَّة هذا التوجّـه، وكمثالٍ نُقل عن وسائل إعلام العدوّ الكثير من الاعترافات أبرزها ما نشرته "القناة الـ 12" العبرية، التي أقرّت بأن حكومة الكيان "تسرِّب معلوماتٍ متناقضةً عمدًا" لإرباك الوسطاء، وخلق وهمٍ بتحقيق تقدم.

ويسعى كيان الاحتلال من خلال ما يسمى "خرائط إعادة التموضع" التي جرى طرحها حديثًا خلال المفاوضات إلى إبقاء سيطرتها العسكرية على مناطقَ واسعة من غزة، تشمل محاور استراتيجية مثل (نتساريم)، محور صلاح الدين -حدود مصر- ومخيمات نازحين في رفح، كجزءٍ من مشروعٍ طويل الأمد للتهجير القسري.

في المقابل تصف المقاومةُ هذه الخرائط بأنها "خديعةٌ تفاوضية"، تُقنِّنُ الاحتلال وتُكرِّسُ سياسة التهجير، خلافًا لما نص عليه اتّفاق يناير 2025م، الذي دعا لانسحاب كامل وعودة النازحين.

واللافت أن أحد أبرز معوقات التقدم في المفاوضات –بحسب الخبراء- هو الدعم السياسي والدبلوماسي الأمريكي غير المشروط لـ (إسرائيل)؛ فـ بينما تطالب واشنطن بوقف مؤقت للعمليات، ترفض في المقابل فرض أية التزامات على كيان العدوّ بوقف دائم أَو ضمان انسحاب عسكري.

وبالتالي تفرغ المفاوضات الحالية من مضمونها بفعل انحياز أمريكي واضح، يمنح حكومة نتنياهو حرية إفشال أي تقدم دون أن تدفع ثمنًا سياسيًّا أَو قانونيًّا.

الهدف الحقيقي للمجرم نتنياهو -بحسب الخبراء- ليس وقف الحرب؛ بل إدامتها كأدَاة لإطالة عمر حكومته، والهروب من الاستحقاقات السياسية والجنائية المحلية والدولية، خَاصَّة بعد تفعيل مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بحقه.

 

تعداد الضحايا في غزة تجاوز الرقم "206977":

يرى خبراءُ قانونيون أنه لا يمكنُ اعتبار (إسرائيل) طرفًا تفاوضيًّا حَسَنَ النية، في ظل استمرار القصف والقتل اليومي، الذي يُعد خرقًا فاضحًا لقواعد التفاوض وأدنى متطلبات الثقة المتبادلة.

إذ تستمر قواتُ الاحتلال في ارتكاب المجازر اليومية في قطاع غزة، ووفق تقرير نشرته "أطباء بلا حدود"؛ فَــإنَّ "أكثرَ من 70 % من الضحايا المدنيين في غزة خلال الشهرَين الأخيرَين سقطوا خلالَ فترات مفاوضات معلنة"، ما يُفند رواية الاحتلال عن رغبته في التهدئة.

ويستخدمُ الاحتلالُ المساعداتِ الإنسانية كسلاحٍ تفاوضي، يمنعها أَو يوجِّهها فقط إلى مناطقَ يريد تفريغُها ديموغرافيًّا، مثلما حدث في طريق "موراج"، حَيثُ تم تجميعُ آلاف النازحين في مناطقَ معرضة للقصف، فيما يشبه "مصائد الموت".

تقارير أممية كشفت أن الاحتلالَ منع دخول أكثر من 80 % من الشاحنات الإغاثية خلال يونيو الماضي، رغم اتّفاقات مؤقتة على السماح بها، ما يرقى إلى جريمة حرب باستخدام الغذاء والدواء كسلاح ضغطٍ جماعي.

بدورها؛ أكّـدت وزارة الصحة بغزة، اليوم السبت، "ارتفاعَ حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 57882 شهيدًا، و138095 جريحًا منذ بدء العدوان"، موضحةً أن "إجمالي شهداء المساعدات ممن وصلوا المستشفيات بلغ 805 شهداء وأكثر من 5252 إصابة، و42 مفقودًا".