• العنوان:
    سوريا بعد الجولاني.. والرسالةُ التي لا يفهمُها المطبِّعون
  • المدة:
    00:00:00
  • الوصف:
  • التصنيفات:
    مقالات
  • كلمات مفتاحية:

لم تكن الضربات الإسرائيلية على سوريا يومًا مرتبطة بشخص بعينه، ولا بحكومة، ولا حتى بتحالف. كانت – وستبقى – جزءًا من عقيدة راسخة في ذهنية العدو: لا يُسمح لهذه البلاد أن تنهض، ولا يُسمح لأحد أن يمتلك فيها مفاتيح الدفاع، أيًّا كان اسمه أَو رايته.

اليوم، تقف سوريا أمام مشهدٍ جديد: تحت راية "هيئة تحرير الشام" بقيادة أبو محمد الجولاني.

رجلٌ تخلّى عن صورته القديمة، وارتدى البدلة المدنية، وفتح نوافذ الحوار مع الغرب، ووجّه خطابه إلى الداخل والخارج بلغة يظنّ أنها أكثر "واقعية".

في هذه الأرض، لا وجود لإيران، ولا لمقاومة تملك قرار الاشتباك.

بل إن خطاب تلك القوى بات يجاهر بعدائه لطهران، ولحزب الله، ولما تبقى من النظام السوري.

لكن، هل توقفت إسرائيل؟

هل امتنعت طائراتها عن قصف الأراضي السورية؟

هل كفّت صواريخها عن استهداف الشمال والجنوب والبادية؟

الجواب: لا.

سوريا تُقصف، وتُستباح، وتُمرغ سيادتها في التراب.

كأن شيئًا لم يتغير.

كأن كُـلّ تبديل للوجوه والرايات لا يعني للعدو شيئًا.

 

هنا تتجلّى الخديعة الكبرى:

أن تظن أن التطمينات تُثمر أمنًا، وأن أوراق الطاعة تُقابل بالسلام.

لقد قُدّمت بعض مناطق سوريا للعدو بلغة هادئة، وخطاب منزوع الحدة، ومشهد خالٍ من "الإيرانيين" و"الحشد" و"المقاومة"، لكن الصواريخ الإسرائيلية لا تزال تهبط، كأنها تصحّح هذا الوهم بلهيب لا يحتاج إلى تفسير.

العدوّ لا يطمئن للكلام، بل للانهيار الكامل.

لا يرتاح لمُجَـرّد خروج إيران، بل يريد أن يضمن ألا يأتي بديل.

لا يرضى بسكوتك، بل يريدك بلا صوت، وبلا قدرة على التهديد يومًا ما.

هو لا يفرّق بين راية خضراء أَو سوداء أَو بيضاء، ما دامت هناك إمْكَانية لنهضة شعب.

لهذا، الهجمات لا تتوقف، والرسالة لا تحتاج إلى دبلوماسية: "لن نسمح لكم أن تكونوا".

لا "سوريا جديدة"، ولا "حكم إسلامي واقعي"، ولا "مناطق مستقرة تحت النفوذ التركي"…

كل هذا لا يحول دون القصف، والضغط، والتأديب.

 

وهنا، لا بد أن يفتح المطبعون أعينهم:

أنتم تقدمون أكثر مما قدّم الجولاني،

وتتنازلون أكثر مما تنازلت عنه فصائل الشمال،

وتظنون أن مقاعد التفاوض ستحميكم، وأن اتّفاقيات التطبيع ستبني لكم جسور الأمن.

لكن سوريا – التي حملت كُـلّ التناقضات – تقول لكم الحقيقة كما هي:

لن تنجو إن ظننت أن السكوت يحميك.

ولن تحيا إن تصورت أن الابتعاد عن إيران وحده يضمن السلام.

ولن تُحترم إن لم تكن قادرًا على الرد.