أعترف أنني في كُـلّ مرة أسمع فيها أحد المرتزِقة يردّد بلهجة ثقيلة: "حكومة صنعاء تغيّر المناهج وتجهّل الشعب"!

أشعر للحظة أنني على وشك أن أكتشف كوكبًا جديدًا في مجرّة النفاق؛ لكن ما إن أستفيق من دوار العبارة حتى أدرك أنني ما زلت على الأرض في عالم فيه من الوقاحة ما يكفي لتشويه الشمس ووصفها بالمصباح الموفّر للطاقة.

منذ متى أصبح تحديثُ المناهج جريمة؟!

ومنذ متى صار الحديثُ عن العدوّ الحقيقي —عدو الشعوب والهُوية والتاريخ— مؤامرةً على الوعي؟ إنهم غاضبون لأنَّ كتابًا ما ذَكر "إسرائيل" بسوء وكأن هذه الكيان يحتاج لمَن يُدافِعُ عنه بعد كُـلّ ما صنعه في غزة والقدس وجنين!

غاضبون لأن رئيسًا ما كتب بحثًا! تخيّل! رئيس يكتب بحثًا؟!

هذه تهمة في عرفهم... الجهل عندهم فضيلة والمعرفة خيانة والكرامة فعل مريب.

لكنّ المضحك المبكي أنهم يصرخون في وجوهنا: "أين التعليم؟" بينما يغمضون أعينهم عن جامعة تُبنى في قلب الحصار وعن عقول تُبدع في ظِلال الشموع؛ لا يرون المدارس التي تنمو كالنخل وسط ركام الحرب ولا يأبهون بصاروخ ينطلق من عقل يمني ليصل إلى عمق تل أبيب فهذا في عرفهم، ليس علمًا، بل "إرهابٌ تقنيٌّ"! صواريخنا مزعجة لأنها لم تأتِ من مختبرات الغرب، بل من صدور جائعة وأكف طاهرة.

يريدون أن نعود إلى أَيَّـام كان فيها المهندس لا يُبنى له مستقبلٌ بل يُهدم له قدره بحادث مروري مفبرك على باب الجامعة أَو يُنهِي حياته بانفجار تحت سيارته، أَو يسقط من السماء؛ لأنه "نسي" أن يربط حزام الأمان في طائرة بلا صيانة، أَو يُغادِر البلد بـ"منحة" إلى الغرب فلا يعود إلا صورة مقلوبة في كتاب العلوم السياسية.

كم هم كرماء أُولئك الذين يغضبون على كتاب مدرسي ويغضّون الطرف عن صروح علمية تُبنى بلا دعم دولي، كم هم حسّاسون أُولئك الذين يرتجفون من بحثٍ رئاسي ويصابون بالخرس أمام مشاهد تطوير صناعي يمني في بلد يقول العالم كله إنه محاصَر ومع ذلك يصنع!

إن الحملة المسعورة على التعليم والعلماء في صنعاء ليست اختلافًا في الرؤية بل اختلافٌ في النية؛ ليست معارضةً لسلوكيات بل كراهية لشعب كراهية لروح لكرامة لمشروع حياة لا يراد له أن يكتمل... فقط لأنه لا يأتي بإذن من السفارة.

فدعْهم يصرخوا فكلما علا نباحُهم عَلِمنا أننا في الطريق الصحيح، وأنهم في غابةٍ مظلمة من الغيظ... يحاولون فيها أن يُطفئوا نورَ العقل... بريشة التشويه.