أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

r   في تطــورات العـــدوان الهمجـي الـوحشـي الإســرائيلي على قطـــاع غـــزَّة، في خــلال هــذا الأسبــوع:

العدو الإسرائيلي يواصل الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ويسعى إلى مراكمة رصيده الإجرامي في ذلك.

كذلك يستمر في التدمير الشامل والتجريف التام للمدن والأحياء السكنية، وتقطيع أوصال القطاع، ونسف وتدمير كل مقومات الحياة، وإهلاك الحرث والنسل.

الإبادة للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة هي هدفٌ واضحٌ للعدو الإسرائيلي، وسلوكه الإجرامي يكشف هذه الحقيقة في كل تفاصيله بشكلٍ يومي، وهو هدفٌ إسرائيليٌ أمريكيٌ مشترك، الممارسات الإجرامية للعدو الإسرائيلي، والاستهداف الشامل لسكان قطاع غزَّة بشكلٍ يطال كل المجتمع (كباراً، وصغاراً؛ رجالاً، ونساءً) في غزَّة بشكلٍ عام، هي ممارسات واضحة، ونتيجةً لذلك، أباد العدو الإسرائيلي أسرا بأكملها، ومُسِحَت من السجل المدني، وانخفضت نسبة الولادة خلال هذا العام مقارنةً بما قبله إلى (41%)، وانخفض عدد السكان في قطاع غزَّة بشكلٍ عام بنسبة (10%)، وهذه نتيجة خطيرة جدًّا، وتكشف حجم الإجرام الإسرائيلي، وأنه في سياق تحقيق هذا الهدف العدواني الإجرامي الخطير جدًّا.

العدو الإسرائيلي في إبادته للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة يستخدم القتل بالسلاح، وفي هذا السياق يستخدم بشكلٍ أساسيٍ ومكثَّف القنابل الأمريكية، ذات القدرة التدميرية الكبيرة، والقنابل المحرقة، ويستهدف بها النازحين حتى في مخيماتهم، في الخيم القماشية؛ بهدف قتل أكبر عددٍ ممكنٍ منهم، ويسعى إلى تحقيق هذا الهدف، تلك القنابل يستخدمها بكثافة، ولربما أكثر حتى من إطلاق الرصاص، استخدام مكثَّف جدًّا، والأمريكي يقدمها له في شُحنات لا تتوقف، بالآلاف، يقدمها في كل فترة شحنة أخرى فيها الآلاف من تلك القنابل.

الزخم الكبير في الدعم الأمريكي بتلك القنابل، وغيرها من العتاد العسكري، والقصف اليومي بها، الذي يمارسه العدو الإسرائيلي، يعتمد على تمويلٍ كبير؛ لأنها غالية الثمن، والكلفة المالية لهذا النوع من التسليح، ولهذا المستوى من الاستخدام، كلفة كبيرة جدًّا، يحتاج هذا إلى أموال كبيرة، ومع أن الإجرام بالاستهداف للشعب الفلسطيني بتلك القنابل بشكلٍ يومي، وعلى مدى كل هذه المدَّة الزمنية التي تقترب من العامين، فمعنى ذلك أن الكلفة هائلة جدًّا، هذا يحتاج إلى تمويل كبير، وكلفة مالية باهظة، من أين يأتي ذلك التمويل؟!

من المؤسف جدًّا أن الأموال العربية هي من أهم مصادر التمويل لتلك القنابل، تذهب إلى الأمريكي بالتريليونات، من مصادر متعدِّدة تأتي له من العالم العربي: مما ينهبه من الثروات، مما يُقَدَّم له تحت عنوان الاستثمارات، مما تجبيه شركاته... وغير ذلك، فأن يكون المال العربي مساهماً بحدٍ أساسي، ومصدراً من أهم مصادر التمويل لقتل الشعب الفلسطيني، هذه مشاركة خطيرة جدًّا في سفك الدم الفلسطيني، وفي الإجرام الإسرائيلي.

العدوان على الشعب الفلسطيني في غزَّة يكاد أن يكون عدواناً أمريكياً قبل أن يكون إسرائيلياً، والدور الإسرائيلي هو التنفيذ، هذا هو حجم المشاركة الأمريكية، بدعمها المفتوح، أمريكا تُقَدِّم دعماً مفتوحاً، تشارك في التخطيط، في الجانب المعلوماتي، تشارك بما تقدِّمه من عتادٍ عسكريٍ وسلاح، تشارك بالغطاء السياسي الواضح، حتى في الأمس في مجلس الأمن كذلك، كان الموقف الأمريكي مؤكِّدا على الاستمرار الأمريكي في دعم الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، مع التَّنَكُّر للحقائق الواضحة، وتسمية الأمور بغأشياء بدائل عنها. هم ينكرون حتى عنوان الإبادة فيما يجري في فلسطين، ويؤكِّدون مشاركتهم ودعمهم للعدو الإسرائيلي، فيما يفعله في قطاع غزَّة وفي غيرها.

الأمريكي، برعايته الكاملة، وشراكته المتكاملة مع العدو الإسرائيلي، وما يقدِّمه للعدو الإسرائيلي، من مالٍ، ودعمٍ عسكريٍ، وغطاءٍ سياسيٍ في مجلس الأمن، في الأمم المتَّحدة، على المستوى الدولي، في ما يقدِّمه أيضاً من دعم للعدو الإسرائيلي، في الضغط على كثيرٍ من البلدان؛ لتسكت، أو حتى لتقدِّم أنواعاً من الدعم للعدو الإسرائيلي، وأشكال كثيرة جدًّا من الدعم الأمريكي، و المشاركة الأمريكية مع العدو الإسرائيلي، في قتل وإبادة عربٍ مسلمين من هذه الأُمَّة (الشعب الفلسطيني)، بل وكذلك الإبادة التي حصلت في لبنان، وما يحصل من عدوان على البلدان العربية الأخرى، ومنها سوريا، هذا الدور الأمريكي، المشاركة الأمريكية، لماذا؟

من المؤكَّد أن ذلك ليس اعتباطاً، موقفاً اعتباطياً، أو مجرَّد طباع غليظة لرئيس أمريكي، فيكون النظر إلى ما يحدث من الجانب الأمريكي وكأنه تصرفٌ وقتيٌ، له أسباب وقتيَّة لحظيَّة، أو أنه نتاج- مثلاً- أطماع معيَّنة فقط، أو موقف تكتيكي معيَّن فقط، وتقف الأمور عند هذا الحد.

الموقف الأمريكي، فيما فيه من عدوانية، وعنجهية، واستكبار، وظلم، وإصرار على سحق هذه الأُمَّة، وإبادة أبنائها، واحتلال أوطانها، ومصادرة حُرِّيَّتِها واستقلالها، والتَّعَدِّي على مقدَّساتها... وكل ما يفعله العدو الإسرائيلي، فالأمريكي يتبناه، ويدعمه، ويشاركه فيه، هذا يعود إلى أن كُلّاً من الأمريكي والإسرائيلي ينطلق فيما يعمله، وفي سياساته، وفي ممارساته، وفي جرائمه، من منطلقٍ واحد، هو: إيمانهما معاً بالمخطط الصهيوني، وانطلاقهما على أساس أدبياته، وأفكاره، ورؤاه، وما فيه من رؤية تجاه هذه الأُمَّة، وما رُسمت فيه من أهداف، هي عدوانية بحق هذه الأُمَّة؛ مصادرة لحُرِّيَّتها، واستقلالها، ومقدساتها، ولطمس هويتها، ولاحتلال أوطانها... وغير ذلك. وهذا ما ينبغي أن نرى به الموقف الأمريكي؛ لنراه على حقيقته، لنراه ببصيرةٍ ووعيٍ، يستند إلى القرآن الكريم، ويستند إلى الحقائق الدامغة، الواضحة، الثابتة.

السلوك الأمريكي العدواني، إلى درجة التَّبَنِّي الكامل لما يفعله العدو الإسرائيلي، وتقديم كل أشكال الدعم والمشاركة، والحضور بهذا المستوى، بالرغم من حجم الإجرام الواضح المكشوف، هذا يدل بشكلٍ قاطع على أنه توجُّهٌ حقيقيٌ مستمرٌّ على مدى عقود من الزمن، واستراتيجي، وليس تكتيكياً؛ وإنما التكتيك فيه فرعٌ على الاستراتيجية، وأنه نابعٌ من إيمانٍ واضحٍ يجاهر به الأميركيون، في اعتقادهم بالمعتقد الصهيوني، وتحرُّكهم على أساس تنفيذ المخطط الصهيوني.

وهذه حقيقة واضحة؛ لأن الشيء السائد في الموقف السياسي لمعظم الأنظمة العربية والإسلامية، والسائد في معظم الإعلام العربي والإسلامي، هو: تقديم المسألة فيما يتعلَّق بالأمريكي بشكلٍ مختلف، وكأنه لا يزال هناك أمل أن يتغيَّر الموقف الأمريكي، وأن يتعدَّل، بل البعض يراهن- أصلاً- على إمكانية أن يتغيَّر الموقف الأمريكي لصالح هذه الأُمَّة؛ وبالتـالي يدفعون باتِّجاه الالتجاء إلى الأمريكي، والارتماء في أحضانه، والدفع بالتولِّي له، والخضوع له أكثر، مع أن المسألة في غاية الوضوح ومنتهى الوضوح، إن لم يكن السلوك الأمريكي الإجرامي، العدواني، المتبنِّي لكل ما يفعله العدو الإسرائيلي، والمشارك فيه، والمقدِّم لكل أشكال الدعم، على مدى كل هذه العقود من الزمن، ثم على مدى العدوان الإسرائيلي على غزَّة لما يقارب العامين، واضحاً في مسألة طبيعة التَّوَجُّه الأمريكي، وأساس ذلك التَّوَجُّه، فهذا شيءٌ مؤسفٌ جدًّا، ألَّا يرى الإنسان مثل هذه الحقائق، وتتَّضح له بها الخلفيات الحقيقية للموقف الأمريكي، معنى ذلك: تيه، وغباء رهيب جدًّا، وفي نفس الوقت غباء خطير!

الغباء يتفاوت في خطورته، قد يكون الغباء تجاه مسائل عادية، أو من القضايا الهامشية والجزئية، محدود الضرر؛ أمَّا الغباء تجاه مثل هذه الأمور الكبرى، والمخاطر الرهيبة، والالتباس في تصنيف العدو من الصديق، في مثل أمورٍ كهذه في غاية الوضوح، فهذا غباء خطير، غباء خطير له عواقبه الخطيرة جدًّا، القاتلة، المدمِّرة، المهلكة لكثيرٍ من أبناء هذه الأُمَّة، وخطورة على هذه الأُمَّة في دينها ودنياها، في هذه الدنيا، وفي مستقبلها في الآخرة؛ لأنه يترتب على سياسة الدفع باتِّجاه الولاء للأمريكي، والارتماء في أحضانه، والتعويل عليه، والالتجاء إليه، يترتب على ذلك اختلالات كبيرة جدًّا، في التَّوَجُّهات، في الأخلاق، في القيم، على حساب مبادئ الدين الإسلامي؛ بل البعض يتنكَّر حتى لحقائق القرآن الكريم، وَيُكَذِّب بها، بالحقائق التي أكَّد عليها الله في القرآن الكريم من أجل ذلك.

فهذا المستوى من التيه والغباء هو- كما قلنا- خطير للغاية، وفي نفس الوقت هو غباء غريب جدًّا، يعني: من أفظع وأسوأ أشكال الغباء، يجعل الإنسان في المستوى الذي قال عنه الشاعر:

قال الصبي للحمار يا غبي                       قال الحمار للصبي يا عربي.

يجعل الإنسان في مثل هذا المستوى من الغباء، الذي يستحق أن تضحك منه وتسخر حتى الحمير، من مستوى غباء كهذا، تجاه حقائق واضحة كهذه.

فيما يتعلَّق أيضاً بالعدو الإسرائيلي في وسائل الإبادة، وهو يستخدم سلاح القتل بكل أشكاله: بالقنابل، بالقذائف، بإطلاق الرصاص، بغير ذلك؛ وهو أيضاً يستخدم وسيلة التَّجويع، ومستمرٌّ فيها بشكلٍ فظيعٍ جدًّا، والمعاناة كبيرة للغاية فيما يتعلَّق بالتجويع، مأساوية إلى حدٍ كبيرٍ جدًّا ومؤسفة، وأتى الأمريكي مع العدو الإسرائيلي معاً بهندسة الجوع عبر مصائد الموت، وما يسمُّونه أيضاً بالتسمية الغريبة جدًّا، التي هي مختلفة تماماً عن الواقع (مؤسسة غزَّة الإنسانية)، يسمُّون أنشطتهم العدوانية، التي هي هندسةٌ للجوع، ومصائد أنشؤوها للقتل والإبادة، وأصبحت من أكبر الأماكن خطورةً في قطاع غزَّة، في كل يوم هناك عدد كبير من الشهداء من الجائعين، الذين يذهبون تحت ضغط الجوع القاتل، بهدف الحصول على الغذاء، ثم يبيدهم العدو الإسرائيلي، بل يشترك الأمريكي في حالات كثيرة، وشُوهِدت مشاهد بالفيديوهات، فيديوهات تُوَثِّق جرائم قتل ينفِّذها أمريكيون، ممن يسمُّونهم بالأمنيين، الذين يقومون- حسب تسمياتهم وتوصيفاتهم- بالحماية لتلك التي يسمُّونها بالمساعدات، ثم يباشرون إطلاق النار على الجائعين، المنتظرين لتلك المساعدات، الذين هم بأمسِّ الحاجة إلى الغذاء، فيطلقون عليهم النار بشكلٍ مباشر، ونشرت وسائل الإعلام فيديوهات من هذا النوع، هذه حالة رهيبة جدًّا، حالة مأساوية للغاية!

الأرقام الهائلة للشهداء والجرحى والمفقودين في قطاع غزَّة، والتي تتعدى المائتي ألف إنسان، على مدى ستمائة وثلاثة وأربعين يوماً، لم يخلُ فيها يومٌ واحد من الإجرام الإسرائيلي، هذه الأرقام ليست مجرَّد أرقام عادية، هذه الأرقام هي أرقام عن نفوس آدمية مظلومة، عن أرواح أُزهِقت ظلماً وعدواناً، في مشهدٍ لا مثيل له من المظلومية والمأساة، فعلاً مشهد مؤسف، ومحزن، ومأساوي، ومعبِّر عن أشد أنواع المظلومية.

حينما يشاهد الإنسان ما يفعله العدو الإسرائيلي ويرتكبه من الجرائم لإبادة الشعب الفلسطيني، كل أنواع المشاهد:

-         مشاهد قتل الأطفال، مشاهد دامية، مؤسفة، محزنة، من مزَّقتهم القنابل الأمريكية إلى أشلاء، من هم جرحى، أو ما قبل الشهادة، بعد أن أُصيبوا بتلك القنابل، أو بغيرها من القذائف ووسائل القتل التي بيد العدو الإسرائيلي، وهم يصرخون وهم غارقون في دمائهم.

-         كذلك مشاهد القتل للنساء.

-         مشاهد كذلك الأمهات للأيتام، الثكلى، والأرامل، وبقية النساء وهُنَّ يصرخن.

-         مشاهد كذلك لاستشهادهن، لجراحتهن، لآلامهن.

-         مشاهد حالة الجوع والبؤس التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، بالرغم من تواجد الكميات الهائلة من المساعدات المُكَدَّسة في الشاحنات الممنوعة من الدخول إلى قطاع غزَّة.

كل تلك المشاهد، كل تلك الصرخات لأبناء الشعب الفلسطيني، وهم ينادون أبناء العالم الإسلامي، صرخات مؤلمة جدًّا، محزنة، تُحَرِّك وجدان كل إنسانٍ حيٍّ، وتُحَرِّك كل الضمائر الحية؛ مع ذلك الكثير من الناس وصلوا إلى درجة ألَّا يتفاعلوا مع كل ذلك، مع أنه ينطبق على كل تلك الصرخات من قطاع غزَّة ما يقوله الشاعر:

لقد أسمعت لو ناديت حياً                ولكن لا حياة لمن تنادي.

حال الكثير من أبناء أُمَّتنا الإسلامية في المقدِّمة قبل غيرها من الأمم، حينما يتعاملون وكأنهم صمٌ بكمٌ عميٌ تجاه ما يجري في قطاع غزَّة، إمَّا بتجاهل، وإمَّا بلا مبالاة؛ هي حالة تعبِّر عن موت الضمائر، موت المشاعر الإنسانية، والإحساس الإنساني، وفقدان القيم، والأخلاق، والإيمان... وغير ذلك، حالة غير طبيعية إطلاقاً، حالة رهيبة جدًّا.

الذي يعمله العدو الإسرائيلي في قطاع غزَّة هو: الاستباحة الكاملة للنفس البشرية والحياة الإنسانية بشكلٍ عام، بشكلٍ عام، جناية على المجتمع البشري، وعلى الإنسانية، على النفس البشرية التي غلَّظ الله حرمتها على بني إسرائيل، كما في الآية المباركة في قول الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ}[المائدة:32]، بعد قصة ابني آدم، والحالة العدوانية للمعتدي منهما، الذي يقال في السِّيَر والأخبار أنه قابيل، الدرس بعد ذلك أمام تلك النوعية التي تشبه قابيل، كما في الأخبار والسِيَر أنه المعتدي على أخيه بدون أي مبرر إطلاقاً، {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة:32]، على بني إسرائيل؛ لأنهم الشبيه لتلك النوعية من العدوانيين، المعتدين، المجرمين، المستهترين بقيمة الحياة الإنسانية، الجريئين على سفك الدماء بغير حق، تغليظ للحُرمة في إزهاق الروح الإنسانية، إلى هذه الدرجة: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة:32]، ولنستوعب، ولنتأمل في حجم هذا الجرم: جرم من يقتل الناس جميعاً، بكل من فيهم من رسل، وأنبياء، وأخيار؛ بكل من فيهم من أطفال، ونساء، وكبار، وصغار؛ ألا نرى جرمه مهولاً، عظيماً، كبيراً، فظيعاً، شنيعاً؟! ألا نراه دموياً؟! وكأنما قتل كل الناس، حتى أقاربه، حتى أقرب أقربائه، الناس جميعا من حوله، لو أن إنساناً يرتكب جرماً كهذا، كيف ينبغي أن تكون النظرة إليه؟

هكذا غُلِّظَت هذه الحرمة على بني إسرائيل، ولم ينفع معهم ذلك. هم تنكَّروا لكل ما جاءت به الرسل والأنبياء، من قيم، وأخلاق، ومبادئ، وتعليمات إلهية تزكو بها النفس الإنسانية، تحيا بها المشاعر الإنسانية، تترسخ بها القيم الإنسانية الفطرية، التي هي من الله فطرها في النفس البشرية، تنكَّروا لكل ذلك، وهم المسرفون، المسرفون في كل شيء، المتجاوزون لكل الحدود، والمتجاوزون أيضاً لكل حق، والذين يبالغون في إجرامهم، إسراف حتى في سفك الدماء، مسرفون، إسراف في كل شيء.

وفعلاً، يراهم الآن كل العالم، لا يرعوون لأي شيء، ولا يتقيدون بأي شيء، بأي ضوابط، قيل لهم: القانون الدولي يمنعكم من هذه الجرائم، لا اعتبار عندهم للقانون الدولي، الذي أتى به الغرب، وصنعه الغرب، ووضعه الغرب، وقدَّموه ليكون قانوناً دولياً ملزماً لكل الدول، فهم لا يعطونه أي اعتبار، مواثيق الأمم المتَّحدة والتي اعترفت بهم، وهذا من أكبر جرائمها، جرائم الأمم المتَّحدة، أن تعترف بمجرمٍ ظالمٍ وبإجرامه، وباغتصابه لمعظم فلسطين- آنذاك- يوم اعترفت بالعدو الإسرائيلي... وغير ذلك، كل ما يقال لهم، لا شرع، ولا دين، ولا قيم، ولا أخلاق، ولا أعراف، ولا قوانين، ولا نُظُم... ولا أي شيء مما يتعارف عليه البشر، فيه شيءٌ من القيم والضوابط الأخلاقية ولو بمستوى معيَّن، يتنكَّرون لكل ذلك، يتجاوزون كل شيء، ليس عندهم الالتزام بأي شيء.

الاستباحة الإسرائيلية والأمريكية؛ لأن الأمريكي شريك حتى في الاستباحة للشعب الفلسطيني، هي استباحةٌ للحياة الإنسانية، وإهدارٌ لها، يعني: ليس هناك عند الإسرائيلي والأمريكي أي اعتبار لحياة البشر، أي حرمة لحياة البشر، ليست عندهم مُحَرَّمة، في نظرهم: هي مباحة لهم أن يقتلوا أي إنسان، أن يقتلوا أي طفل، أي امرأة، أي مُسن، أي كبير، أي صغير، أي شاب، في أي مكانٍ في العالم، المهم أن تتوفَّر إمَّا رغبة، وإمَّا مصلحة:

-         إمَّا رغبة إسرائيلية أو أمريكية لفعل ذلك، وحينها لا يوجد عندهم أي مانع في أن يقتلوا أي إنسان؛ لأن الحياة الإنسانية ليس لها أي قيمة عندهم، ولا أي حرمة لديهم، مجرَّد أن تتوفَّر لديهم رغبة في فعل ذلك؛ يفعلون.

-         أو أن تتوفَّر لديهم- بنظرهم- مصلحة مادية، أو مصلحة سياسية، أو أي شكل من أشكال المصالح، المرتبطة بحجم أطماعهم غير المشروعة، وتوجهاتهم العدوانية، وأهدافهم الباطلة والظالمة؛ فهم في هذا المستوى من الاستباحة للنفس البشرية.

وعلينا جميعاً أن ننظر إلى ما يفعلونه في فلسطين، وفي قطاع غزَّة، على أنه بهذا المستوى من الخطورة: استباحة لكل الحياة، استباحة للنفس البشرية بشكلٍ عام.

ثم أيضاً من غيرهم، هذا بالنسبة لهم، بالنسبة لغيرهم من الشعوب والأمم، في الأُمَّة الإسلامية وفي غيرها من أمم الأرض، التجاهل لما يفعلونه، وهم ينطلقون من هذا المنطلق المستبيح لكل الحرمات، والذي لا يعطي للحياة أي حرمة ولا قيمة، ولا يعطي للنفس البشرية- أيّاً كانت هذه النفس البشرية في أي موطنٍ من الأرض- أي قيمة ولا اعتبار، التجاهل والقبول بما يفعلونه، والتغاضي عنه، أيضاً هو استهانة بالحياة الإنسانية، وهو- في نفس الوقت- إفلاس من القيم الإنسانية والمشاعر الإنسانية.

إذا وصل الإنسان إلى درجة ألَّا تُحَرِّك مشاعره تلك الجرائم الرهيبة، التي يرتكبها العدو الإسرائيلي في قطاع غزَّة، تلك المآسي والمشاهد الدامية للأطفال والنساء، والكبار والصغار، حجم تلك المظلومية الرهيبة جدًّا، التي لا مثيل لها، معناه: أنه لم يعد في جوهره، في عمقه، في باطنه، إنساناً، هيكله هيكل إنساني، لكنَّه فقد قيمته الإنسانية، القيمة الإنسانية ليست فقط في الجسم.

القيمة الإنسانية ليست فقط في الجسم، القيمة الإنسانية أيضاً تعتبر وبشكلٍ أساسيٍ مع هذا الشكل الإنساني، والجسم الإنساني، في اللُّبِّ الإنساني، فيما منح الله هذا الإنسان في فطرته، من قيم، من معرفة، من رشد، من إدراك، من تمييزٍ بين الخير والشر، ألهمه الفجور والتقوى، فيما أعطاه من مشاعر تسمو به، غرائز أيضاً ترتبط بتلك المفاهيم، والفطرة التي تضبطها وتضبط مسارها؛ حتى يتميَّز عن بقية الوحوش.

التغاضي عن أن تحدث الأمور بهذا الشكل، فالأمريكي والإسرائيلي يقتلون من أرادوا، يرتكبون أبشع الجرائم، يبيدون شعوباً، ويبيدون أطفالاً ونساءً، وكباراً وصغاراً، بأبشع وسائل القتل، يُعذِّبون مجتمعات بشرية بأشد أنواع العذاب: بالتجويع، والتعطيش، والجراحة، ومنع الخدمة الطِّبِّيَّة والصِّحِّيَّة... وكل أشكال الاستهداف وإلحاق الضرر، معناه: أنَّ البشر يسلِّمون ويقبلون بأن يتحوَّل واقعهم شبيهاً بواقع الغاب، الذي تحكمه وحوشٌ مفترسة، تقتل بالغريزة، والرغبة، والشهوة، وتفعل ما تشاء، تأكل الآخرين برغبتها وغريزتها، وهذه حالة خطيرة جدًّا.

ولذلك من يسلِّم ويقبل بما يفعله العدو الإسرائيلي، بشراكةٍ أمريكية، على الشعب الفلسطيني، فهو- في نهاية المطاف- قد قَبِل، ولو لم يعلن ذلك، ولو لم يعبِّر عن ذلك، قَبِل بهذا السلوك الإجرامي أن يكون هو السائد، وفي المقدِّمة السائد على منطقتنا، على شعوب أُمَّتنا، هي المستهدف الأول، المستهدف قبل غيرها من كل أمم الأرض.

العدو الإسرائيلي، مع التجويع أيضاً يرتكب جريمة التعطيش، ويعذِّب الشعب الفلسطيني بالتعطيش، في جريمة ممنهجة، منظَّمة، فالعدو الإسرائيلي يستهدف الآبار (آبار المياه العذبة (استهدافاً متعمَّداً، وفي هذا السياق استهدف العدو الإسرائيلي عدداً كبيراً من آبار المياه في قطاع غزَّة، بحسب الإحصائيات: دمَّر العدو الإسرائيلي (سبعمائة وعشرين بئر مياه)، وأخرجها من الخدمة؛ ما أدَّى إلى حرمان أكثر من مليون ومائتين وخمسين ألف فلسطيني من مياه الشرب، المياه الصالحة للشرب، المياه النظيفة.

العدو الإسرائيلي ارتكب حتى الآن (مائة واثنتي عشرة مجزرة) بحق المدنيين في طوابير تعبئة المياه، أماكن محدودة وقليلة بقيت لتوفير المياه (مياه الشرب)، يجتمع عليها الكثير من الأطفال لجلب مياه الشرب لأسرهم، والعدو الإسرائيلي يستهدفهم بهذا المستوى، بهذا الرقم من المجازر التي يستهدفهم بها؛ ليحوِّل حتى مسألة الذهاب لتوفير شيءٍ من مياه الشرب إلى مغامرة، قد لا يعود الطفل الذي ذهب فيها لجلب مياه الشرب إلى أسرته، قد لا يعود وهو على قيد الحياة، يستهدفهم بهدف التعطيش لهم.

إضافةً إلى أنَّ العدو الإسرائيلي يمنع دخول الوقود إلى قطاع غزَّة، الوقود الذي يحتاجه الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة لكل شيء: يحتاجه لتوفير مياه الشرب، لتشغيل الآبار، يحتاجه أيضاً لغير ذلك: تشغيل محطات الصرف الصحي، وتشغيل المستشفيات، يحتاجه لآليات جمع النفايات... وغير ذلك، فهو يستمر في كل وسائل الإبادة، وفي كل أساليب القتل.

فيمــا يتعلَّـق أيضـاً بتقطيـع أوصـال القطـاع: يستمر في ذلك، في كل فترة، في هذا الأسبوع فتح محوراً جديداً، ومساراً يفصل فيه مدينة خان يونس، يفصل ما بين شرقها وغربها، ويحاول أن يمتد إلى البحر، وكم قبله كذلك من فواصل يقطِّع أوصال القطاع بها، ويفصل ما بين منطقة وأخرى، وما بين أهل قطاع غزَّة، ما بين المناطق في قطاع غزَّة، مع تدمير مستمر، وتجريف مستمر، استقدم فيه حتى المقاولين، الذين يعطيهم المال ليكملوا نسف ما بقي من المباني والمساكن، والأمريكي يُمِدُّه بشكلٍ لا يتوقَّف، شُحنات إثر شُحنات من الجرافات، الأمريكي مساهم، يُقَدِّم هو  الجرافات التي تجرف ما بقي من المساكن في قطاع غزَّة؛ بغيـة التدمير الكامل، والنسف الكامل لكل ما بقي من المساكن في قطاع غزَّة.

r   فيمــا يتعلَّـق بالقـــدس والمسجــد الأقصـى، وكـذلك بالضِّفَّــة الغربيــة:

يواصل العدو الإسرائيلي الاستباحة اليومية للمسجد الأقصى، من خلال تنظيم الاقتحامات اليهودية لباحات المسجد الأقصى، وانتهاك حرمته، وللأسف أن يتحوَّل مثل هذا التصرف العدواني، الذي ينفِّذه العدو الإسرائيلي، ضد مقدَّس من أهم مقدَّسات المسلمين، إلى مشهد اعتيادي للكثير من أبناء الأُمَّة، لا يُحَرِّك فيهم الشعور بالمسؤولية، ولا الغَيرَة على دينهم ومقدَّساتهم، هذه حالة خطيرة جدًّا في واقع الأُمَّة.

العدو الإسرائيلي أعلن عن مهرجان سينمائي جنوب أسوار البلدة القديمة، هذا في القدس، في خطوة من خطوات فرض الطابع اليهودي على مدينة القدس.

أيضاً في خطوة إضافية من خطوات العدو الإسرائيلي، الهادفة إلى تهويد المسجد الإبراهيمي، وهو من أهم المعالم الإسلامية في فلسطين المحتلة: قام العدو الإسرائيلي بسحب كافة صلاحيات بلدية الخليل المتعلَّقة بالمسجد الإبراهيمي؛ بهدف- كما أعلن العدو الإسرائيلي- إجراء تعديلات هي الأوسع منذ العام 94، والعدو الإسرائيلي يستمر في مساره تجاه هذا الـمَعلم الإسلامي المهم؛ بهـدف تهويده.

العدو الإسرائيلي أيضاً يستمر في الخطف والتدمير، وكل أشكال الجرائم في الضِّفَّة الغربية، ما فعله فيما يتعلَّق بالمخيمات: من تهجيرٍ قسريٍ لسكانها، ومن تغييرٍ لمعالمها، وأوضاعها، وحيثياتها السياسية والجغرافية، ومع ما يعمل عليه العدو الإسرائيلي بشكلٍ مستمر من إنشاء بؤر استيطانية، يغتصب الكثير من الأراضي لها، ويحاول أن يقطِّع أوصال الضِّفَّة الغربية، وأن يحوِّل المدن الفلسطينية فيها، والبلدات الفلسطينية، إلى جزر معزولة، ومغلقة، ومقطَّعة الأوصال، ليس هناك ما يربط بينها، وقد فصل بينها بكثيرٍ من الحواجز، وأغلق ما بين البعض منها والبعض الآخر بما يصنعه من الجدران، هذه مؤامرة واضحة جدًّا، في مساعيه الرامية لضم الضِّفَّة الغربية بكلها.

العدو الإسرائيلي واضحٌ في مساره العدواني، بالرغم من إصرار السلطة الفلسطينية، والبعض من التشكيلات الفلسطينية، وفي هذه الأُمَّة، بعض الأنظمة التي تتَّجه نحو مسار التطبيع، من محاولة الإصرار على جدوائية مسارها العقيم، الذي قد ثبت فشله بشكلٍ واضح؛ لأن العدو الإسرائيلي واضحٌ وصريحٌ في أنَّه لن يقبل بإقامة دولةٍ فلسطينية، لا في الضِّفَّة ولا في غيرها، واضح موقفه، لا يمكن أن يصل أحدٌ إلى نتيجةٍ معه في إطار المساومات السياسية، والمفاوضات... وما شابه.

العدو الإسرائيلي استهدف آبار مياه في القدس المحتلة بالتخريب، مع أنَّها المصدر الوحيد لتزويد عشرات القرى والتجمعات السكانية الفلسطينية بالمياه.

r   فيمـــا يتعلَّــق بالصمـــود الفلسطينـي في غـــزَّة:

يواصل الإخوة المجاهدون في قطاع غزَّة عمليات التَّصَدِّي للعدو الإسرائيلي ببسالة منقطعة النظير، وبفاعلية عالية، تلحق الخسائر والهزائم بالعدو الإسرائيلي، وينفِّذون عمليات بطولية، ويبدعون في التخطيط، والتكتيك، والتنفيذ، في أداء- فعلاً- متطوِّر، يواكب ويلبي التَّطَوُّرات ومتطلبات المعركة:

-         استهداف مستمر لآليات العدو.

-         وقتل لجنوده حتى في داخل الدبابات، وفي داخل الآليات العسكرية.

-         كمائن مُنَكِّلة بجنود العدو، وفي أحدها كان المجاهدون على وشك أسر جندي إسرائيلي.

مرَّت بنا في هذا الأسبوع الذكرى السنوية الأولى للمجاهد الكبير الشهيد/ محمد الضيف - قائد كتائب القسَّام "رَحْمَةُ اللهِ تَغْشَاهُ".

الشهيد/ محمد الضيف "رَحِمَهُ الله" رائدٌ من روَّاد مدرسة الجهاد في فلسطين، ونموذجٌ من النماذج الملهمة في الأداء الجهادي الراقي والناجح، مسيرته في الجهاد في سبيل الله تعالى، مع رفاقه من المجاهدين في كتائب القسَّام، منذ بداية تحرُّكهم، وما حقَّقوه من نتائج بفضل الله تعالى، هي درسٌ كبيرٌ وملهم ومفيد، عن: أهمية الانطلاقة الإيمانية الجهادية الواعية، وارتقائها بالإنسان نفسه، الإنسان في روحيته، وعزمه، وقيمه، وصبره، ورشده؛ وبالتـالي في فاعليته، في أثره، فيما يُحَقِّقه الله له وعلى يديه، وهذا من أهم ما تحتاجه أُمَّتنا، ما يحتاج إليه الشعب الفلسطيني في الاستفادة من هذه النماذج الملهمة، ما تحتاجه شعوب أُمَّتنا بشكلٍ عام، نماذج تقدِّم الدروس لِلأُمَّة بكلها.

أيضاً مسيرتهم وما تحقَّق فيها من: نتائج، وإنجازات، ونقلات، نقلات واضحة، وهم بدأوا من نقطة الصفر، من ظروف معروفة؛ ثم كيف كان مسارهم في عملهم، في جهادهم، وما حقَّقوه من نتائج، وما ألحقوه بالعدو الإسرائيلي من خسائر، وكبَّدوه من خسائر، إلى درجة أنهم- هم والفصائل المجاهدة الأخرى التي في فلسطين المحتلة، كـ: سرايا القدس، والفصائل المنطلقة في إطار التَّوَجُّه الجهادي المقاوم- هم من قدَّموا عائقاً حقيقياً للعدو الإسرائيلي، عن تجاوز هذه المعركة في فلسطين، لاستكمالها في بقية البلدان؛ فشكَّلوا لكل الأُمَّة من حولهم جسراً حامياً حصيناً، لم يتمكَّن العدو الإسرائيلي من تجاوزه؛ ليتفرَّغ لمعركته مع بقية الأُمَّة، وكذلك شكَّلوا أيضاً حفاظاً- حيوياً وأكيداً- حفاظاً على القضية الفلسطينية؛ حتى لا تندثر، لا تُصَفَّى، لا يطويها النسيان، لا تنتهي بفعل خيار المساومات الفاشل، الذي لا يحقِّق لِلأُمَّة شيئاً، ولا للشعب الفلسطيني نفسه، فيما تحرَّكوا فيه من مسارهم العظيم، وحقَّق من نتائج مهمة، وصولاً إلى معركة (طوفان الأقصى).

هذا يدل بشكلٍ قاطعٍ على أنَّ خيار الجهاد في سبيل الله تعالى خيارٌ فعَّال؛ لأن له نتائج واضحة، نتائج يمكن أن نتحدث عنها بالوقائع، يمكن أن نتحدث عنها بالحقائق الواضحة، وأن نتحدث عنها بالأرقام، وهم أعاقوا العدو الإسرائيلي- فعلاً- عن إنجاز السيطرة الكاملة على فلسطين، والتَّفَرُّغ لبقية الأُمَّة، وأن يكون قد حسم المعركة في فلسطين، وارتاح تماماً، جعلوا العدو الإسرائيلي يغرق باستمرار في معركة كبيرة في فلسطين نفسها، ولم يتمكَّن من تحقيق أهدافه كاملةً؛ ليتفرغ فيما بعد ذلك، بحسب المخطط الصهيوني، وفعلاً ما ألحقوه بالعدو الإسرائيلي من خسائر، وما حقَّقوه من نقلات في واقعهم هم، بالنظر إلى البدايات التي انطلقوا فيها، وكيف كانت الوضعية، وكيف تنامى وقوي وعظم هذا الاتِّجاه المجاهد في كتائب القسَّام، ومن حولهم أيضاً في سرايا القدس... والفصائل الأخرى، هذا يدل بشكلٍ واضح على أنَّ خيار الجهاد في سبيل الله تعالى، خيار المقاومة للعدو الإسرائيلي، أنَّه خيارٌ فعَّالٌ وناجح، بل معه تتنامى القدرات، تتنامى الخبرات، تتنامى الإنجازات، وتنضم إلى بعضها بعض في نتائج لتحقِّق نتائج مهمة جدًّا.

الأداء الفعَّال للإخوة المجاهدين في كتائب القسَّام، وهي تتصدَّر الساحة في فلسطين، وتتصدَّر الموقف في مواجهة العدو الإسرائيلي، وكذلك في الفاعلية في مواجهة العدو الإسرائيلي، وأيضاً في سرايا القدس، والفصائل الأخرى، واضح، بالرغم من الظروف الصعبة للغاية، هذا التَّوَجُّه الجهادي، وهذه الأُمَّة المجاهدة التي تشكَّلت ونمت، نمت في أقسى الظروف، في أصعب الوضعيات، في الواقع الفلسطيني في الداخل: حصار، محاربة، استهداف كبير جدًّا، نشاط مكثَّف جدًّا للعدو الإسرائيلي، وهدفه الأول والأساس: أن يمنع قيام مثل هؤلاء المجاهدين، مثل هذه التشكيلات المجاهدة، هذه الأُمَّة المجاهدة؛ ومع ذلك نما، نما هذا الدور، ونمت هذه الأُمَّة المجاهدة، وقَوِيَت، وعَظُمَت، في الوقت الذي يبذل العدو الإسرائيلي كل جهده، ويستخدم كل الأساليب والوسائل لمنع ذلك؛ لكنَّ الله غالبٌ على أمره، نمت هذه الحركات المجاهدة، والتشكيلات المجاهدة، في وضعٍ صعبٍ جدًّا، بإمكانياتٍ محدودة، وأصبحت على ما هي عليه من الفاعلية: أن يبقى الإسرائيلي بدعمٍ أمريكيٍ مفتوح، وشراكةٍ أمريكية، بكل ما بحوزته من إمكانات، لواحدٍ وعشرين شهراً، في معركةٍ ساخنة جدًّا، يَصُبُّ فيها كل ما يمتلكه من وسائل القتل والإبادة والنيران على قطاع غزَّة، ويعجز عن إنهاء هذه المقاومة، عن القضاء على هؤلاء المجاهدين، عن إيقاف عملياتهم.

هذا يقدِّم لنا بوضوح مدى فاعلية الخيار الجهادي المقاوم، وما حقَّقه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" من نتائج لجهود الضيف... وغيره من رفاقه، الذين ساهموا في بناء هذا البنيان المرصوص، المجاهد، الصُلب، الفولاذي، بإيمانه، بقيمه، بوعيه، بإرادته، بعزمه، بصبره، بتفانيه في سبيل الله تعالى في مواجهة العدو، ألحقوا بالعدو الإسرائيلي كثيراً من الهزائم، وكبَّدوه كثيراً من الخسائر، وهو الآن يعاني من مشكلةٍ في قواه البشرية، ونتج عنها مشكلة أخرى: مشكلته الداخلية في مسألة تجنيد [الحريديم]: الفئات المتدينة، والمدارس الدينية الإسرائيلية، دينية بالباطل، الضالَّة.

العدو الإسرائيلي على المستوى المعنوي، تُقَدَّر خسائره في الذين قُتِلُوا نفسياً، يعني: ضُرِبُوا نفسياً، أصبحوا مرضى نفسانيين، وبعضهم مع ذلك الاختلال العقلي، عانى من الاختلال العقلي، وتقدر بـ (خمسين ألف حالة) في جنوده، حالة كبيرة جدًّا، هذه الحالة تدل على ماذا؟ على فاعلية الأداء الجهادي والمقاوم، وتأثيره الكبير.

هذا الخيار الصحيح: خيار الجهاد والمقاومة، وهؤلاء الإخوة المجاهدون من ينبغي أن يكون موقف الأُمَّة بكلها: المساندة لهم، والتأييد لهم على كل المستويات:

-         أن يكون الموقف السياسي داعماً لهم، مسانداً لهم، مسانداً لخيارهم، مؤيِّداً لخيارهم.

-         أن يكون أيضاً الإعلام بكل وسائله: قنوات فضائية، صحف، مواقع في التواصل الاجتماعي... غير ذلك، كل الوسائل الإعلامية، والجبهات الإعلامية بشكلٍ عام، أن تكون أيضاً مؤيِّدة، مساندة، داعمة لخيارهم ولهم.

هذا ما ينبغي؛ لأنه الاتِّجاه الصحيح، والذي تدل عليه، وتثبته، وتشهد له الشواهد الواضحة، الحقائق والوقائع، والمسار من بدايته، فيما حقَّق من نتائج، من نقلات، فيما ألحقه بالعدو أيضاً، وفي مقابل حقيقة توجُّهات العدو، وأهدافه وأطماعه.

للأسف الشديد، التَّوَجُّه الرسمي لمعظم الأنظمة والحكومات، باستثناء القليل، ومعها أيضاً وسائلها الإعلامية، وفرضت حالها على شعوبها، هو اتِّجاه آخر، اتِّجاه يُجَرِّم، يُشَوِّه، يُسِيء إلى خيار الجهاد في سبيل الله، وخيار المقاومة، وَيُشَوِّه الإخوة المجاهدين في فلسطين، سواءً على مستوى حركة حماس، حركة الجهاد الإسلامي، والفصائل المقاتلة في سبيل الله تعالى، ككتائب القسام، وأيضاً سرايا القدس... وغيرها من الفصائل؛ ولـذلك يتَّجه الإعلام والموقف السياسي لكثيرٍ من الأنظمة العربية والإسلامية، وللسلطة الفلسطينية الوهمية، إلى العمل المستمر لتشويه خيار المقاومة والجهاد، ولتشويه المجاهدين، وللوم الدائم لهم، بل- وللأسف الشديد، ومن الغريب جدًّا- تحميلهم المسؤولية فيما يفعله العدو الإسرائيلي، بدلاً من أن يتوجَّه اللوم والموقف ضد العدو الإسرائيلي، يوجهونه معه، معه لصالحه، هذا شيءٌ مؤسف!

الأُمَّــــــة، مع الضَّخّ الإعلامي الدائم لتشويه خيار الجهاد والمقاومة، وتشويه القوى المجاهدة من أبناء هذه الأُمَّة: حركات، توجهات، أنظمة، شخصيات، الأُمَّــة- بشكلٍ عام- بحاجة إلى أن تكون لديها رؤية صحيحة ثابتة، تجاه الخيار الصحيح، والاِّتجاه الصحيح، ومن يتَّجه في الاتِّجاه الصحيح والخيار الصحيح، الذي ينسجم أولاً مع القرآن الكريم، كتاب الله الحكيم، ويتطابق أيضاً مع الحقائق والوقائع، تشهد له أيضاً الوقائع، وفي نفس الوقت يرتبط بالثوابت، الثوابت الإسلامية والإنسانية.

هناك حملات دعائية مكثَّفة، تسعى لتبرير اليأس والانهزام تجاه العدو الإسرائيلي؛ وبالتـالي تشوِّه خيار الجهاد والمقاومة، تقدِّمها على أنه خيار انتحاري، لا يوصل إلى نتيجة، خيار فاشل، خيار لن يثمر أيَّ ثمرة، وأنَّه وراء ما يحدث لِلأُمَّة من معاناة، وتبرِّئ العدو الإسرائيلي، وتقدِّم خيارات أخرى مبنية على حالة اليأس لديها والانهزام، الروح الانهزامية التي عبَّر عنها تعبيراً كاملاً المندوب السعودي في [الكنيسِت الإسرائيلي]، الذي ذهب إلى [الكنيسِت الإسرائيلي]، وألقى كلمة، انطلق فيها من هذا المنطلق: منطلق اليأس، الهزيمة، الخضوع للعدو الإسرائيلي؛ بناءً على التسليم بأنَّه أصبح متفوِّقاً عسكرياً، ومسيطراً عسكرياً، وأنَّه قد هزم كل بلدان المنطقة، ولم يعد لها من خيار إلَّا أن تخضع له، أن تستسلم له، أن تقبل به، تقبل به في هذا العنوان الجديد الذي يتحدث عنه الأمريكي، ويتحدث عنه الإسرائيلي، ليس من هذه المرحلة فقط، هم تحدثوا عنه، وكان حديثهم عنه معلناً، واضحاً، متكرِّراً من عام 2005م، وهو عنوان [الشرق الأوسط الجديد]، عنوان [تغيير الشرق الأوسط]، وهذا التغيير على قاعدة: أن يكون العدو الإسرائيلي هو المسيطر في المنطقة، والمستبيح لهذه المنطقة بكلها، وأن تخضع له أنظمة وشعوب وكيانات هذه الأُمَّة خضوعاً مطلقاً؛ ليقرِّر ما يشاء، ويفعل ما يريد، دون أن يكون هناك أي أُمَّتناع، أو تردُّد، أو اتِّجاه مخالف لما يريده، هذا شيءٌ خطيرٌ جدًّا.

r   فيمـــا يتعلَّــق بلبنـــــان:

يستمر العدو الإسرائيلي في اعتداءاته، ومنها في هذا الأسبوع: تكثيف الغارات الجوية، وفي المقابل يسعى الأمريكي إلى الدفع ببعض الأحزاب والقوى اللبنانية إلى تبنِّي الطرح الإسرائيلي، في تجريد لبنان من سلاح مقاومته، والقبول بالاستباحة، والتجاهل لاتِّفاق وقف إطلاق النار مع الدولة اللبنانية، والالتزامات التي فيه على العدو الإسرائيلي ولم يُنَفِّذها.

r   فيمـــا يتعلَّــق بســــوريـا:

يستمر العدو الإسرائيلي في اعتداءاته، بالرغم من المسار المعلن للتطبيع من الجهات المسيطرة في سوريا، وبالأمس وجَّه العدو الإسرائيلي ضربات جوية في العاصمة السورية دمشق في تصعيدٍ واضح.

العدو الإسرائيلي في اعتداءاته المستمرِّة دون توقف على سوريا يعمل على تثبيت معادلات:

·       الأولى منها: معادلة الاستباحة، دون ردة فعل:

وهي المعادلة التي يريدها مع كل دول المنطقة، مع كل هذه البلدان والشعوب: الاستباحة دون ردة فعل، أن يكون للعدو الإسرائيلي:

-         أن يقتل بقدر ما يشاء ومن يشاء، لكن دون ردة فعل.

-         أن يُدَمِّر دون رد فعل.

-         أن يحتل دون رد فعل.

-         أن يختطف دون رد فعل.

-         أن يُجَرِّف مزارع ومساكن دون رد فعل.

هذا معنى الاستباحة، والذي يريده الأمريكي ويريده الإسرائيلي: أن تقبل كل هذه الأُمَّة بذلك، أن تقبل بذلك، لماذا؟ لأن هذا شيء يريده الإسرائيلي، ويحقِّق أهدافه في السيطرة، والاحتلال، والسطوة، والجبروت، والظلم، والاغتصاب، والنهب، والمصادرة، والمطلوب أمريكياً وإسرائيلياً من هذه الأُمَّة أن تقبل بذلك: أن تقبل بأن تكون أُمَّة مستذلَّة، مستعبدة، مقهورة، مسحوقة، مستباحة إلى هذا المستوى من الاستباحة، وتستباح مع ذلك مقدَّساتها، وتطمس هويتها الدينية.

 

·       المعادلة الثانية التي يسعى العدو الإسرائيلي إلى تثبيتها: فرض دور له في الوضع الداخلي السوري، تحت عنوان (حماية الدروز والأقليات):

وهو استفاد في ذلك من السياسات الخاطئة للجماعات المسلَّحة، في تعاملها مع الأقليات، أعطى ذريعة للعدو الإسرائيلي، والعدو الإسرائيلي وراء مسألة أن يكون هناك توجُّهات من هذا النوع، توجُّهات تعادي على أساسٍ طائفيٍ ومذهبي، ثم يستثمر ذلك هو (العدو الإسرائيلي) في تفكيك شعوب هذه الأُمَّة.

ولـذلك من المفترض بالجماعات المسلَّحة، المسيطرة في سوريا، أن تُغَيِّر هي أولاً نهجها، الذي يعادي على أساس فرز طائفي، ومذهبي، ومناطقي، وأن تتعامل بطريقة مختلفة تماماً، وتنزع هذه الذريعة على العدو الإسرائيلي، هذا شيءٌ مهم، ومسؤولية عليها في ذلك.

ثم على الأقليات نفسها، والطوائف في سوريا، أن تكون حذرةً من الاستغلال الإسرائيلي لها؛ لأن العدو الإسرائيلي طامع، ليس ناصحاً لأحد أبداً، هو مستثمر، يصنع أزمات، ويستثمر فيها؛ يصنع مشاكل، ويستثمر فيها؛ يهندس أحياناً لتوجُّهات ومواقف، ثم يستثمر نتائجها الخاطئة والسيئة... وهكذا هو العدو الإسرائيلي، لا يريد خيراً لأحد.

·       المعادلة الثالثة هي: فرض سيطرة على مساحة واسعة في سوريا، تمتد إلى قرب العاصمة دمشق، وتحت التصنيف الأمني للمناطق:

العدو الإسرائيلي يسيطر على منطقة تحت عنوان أمني معيَّن، وعلى منطقة أخرى ويعطيها عنواناً أمنياً معيَّناً... وهكذا، أعطى تصنيفات إلى قرب العاصمة دمشق.

·       والمعادلة الرابعة التي يسعى لها العدو الإسرائيلي، هي: أيضاً أن يتحكَّم ويضع سقفاً عاماً في سوريا على كل شيء:

-         على العلاقات.

-         على التَّوَجُّهات.

-         على حجم التسليح

على كل الأمور.

أن تكون مصلحته، وضمان هيمنته وسيطرته، وضمان خضوع سوريا له، هي السقف، الذي يحكم كل التَّوَجُّهات، والمواقف، والعلاقات في سوريا، وهذا هو توجُّه العدو الإسرائيلي مع الجميع، مع كل بلدان هذه المنطقة.

العدو الإسرائيلي أنشأ خلال هذه الفترة أكثر من ثمان قواعد عسكرية شمالي (القنيطرة)، إضافةً إلى مشروعه العسكري المعروف بـ [صوفا 53]، وهو ممر ترابي محصَّن بخنادق وسواتر ترابية، ويقتطع مساحات شاسعة، ويهدف إلى الربط بين قواعده ونقاطه العسكرية التي انتشرت في جنوب سوريا.

r   فيمــا يتعلَّـق بالمظاهــرات المسـانـــدة والمتضـامنــة مـع الشعـب الفلسطينـي:

خرجت مظاهرات في هذا الأسبوع ووقفات في (ثمانية عشر بلداً)، منها: بلدان أوروبية، ومنها: ألمانيا التي تعاملت بقسوة وعنف مع المتظاهرين.

كان من المواقف اللافتة في التضامن مع الشعب الفلسطيني هو: ما قام به عمال (موانئ بيرايوس)، الذين رفضوا تفريغ سفينة حاويات تحمل الفولاذ العسكري للعدو الإسرائيلي، وبحسب الأخبار: أنَّ من المقرر نقل تلك الشحنة إلى سفينة سعودية؛ لإرسالها إلى (ميناء حيفا).

أيضاً من الخطوات التضامنية مع الشعب الفلسطيني: أبحرت سفينة جديدة من (أسطول الحُرِّيَّة)، في عملية رمزية تهدف إلى كسر الحصار على غزَّة.

r   فيمــا يتعلَّـق بجبهــة الإسنــاد مـن يمـن الإيمــان والحكمــة والجهــاد:

نُفِّذَت عمليات هذا الأسبوع، المساندة للشعب الفلسطيني ومجاهديه الأعِزَّاء، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس)، بأحد عشر ما بين صواريخ فرط صوتية، وطائرات مُسَيَّرة، استهدفت أهدافاً تابعةً للعدو الإسرائيلي في: (يافا، والنقب، وأم الرشراش) في فلسطين المحتلة.

أيضاً أعادت عملية إغراق السفينتين، لشركتين مخالفتين لقرار الحظر اليمني على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، أعادت وضع (ميناء أم الرشراش) إلى الإغلاق من جديد، بعد محاولة تشغيله من جديد، ومثَّلت هذه العملية في إغراق السفينتين ردعاً، ورسالةً قويةً لكل الشركات التي تخالف قرار الحظر اليمني، الموقف اليمني جادٌ في الاستهداف لسفن الشركات المخالفة لقرار الحظر، في أي وقتٍ تظفر بها القوات المسلَّحة في مسرح العمليات.

في هذا السياق، لا يفوتنا أن نتوجَّه بالإشادة والتقدير لسماحة مفتي سلطنة عمان، الذي أشاد بالعمليات اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني، مفتي سلطنة عمان هو من النماذج والأصوات القوية من علماء المسلمين، وهي قليلة، الأصوات من علماء المسلمين، التي تذكِّر الأُمَّة بمسؤولياتها في نصرة الشعب الفلسطيني، والموقف من أعداء الله، أعداء الإنسانية، أعداء هذه الأُمَّة، هي أصوات قليلة وللأسف! ومن هذه الأصوات القليلة: مفتي سلطنة عمان، الذي له المواقف الكثيرة، منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة وهو يذكِّر بالمسؤوليات، ويساند الشعب الفلسطيني بمواقف معلنة، وصريحة، وجريئة، وقويَّة، وواضحة.

r   فيمــا يتعلَّـق بالأنشطــة الشعبيــة:

بلغ عدد المظاهرات والوقفات في الأسبوع الماضي إلى: (ألف ومائتين وتسعة وعشرين) مظاهرة، ومسيرة، ووقفة، منها بالأمس مظاهرة كبيرة لجامعة صنعاء.

استمرار شعبنا العزيز (يمن الإيمان والحكمة والجهاد) بهذا الزخم العظيم، في مقابل كل الضغوط، والحملات الدعائية، والحصار الاقتصادي، والمعاناة الكبيرة، هو يبيِّن مصداقية الانتماء الإيماني، والانطلاقة الإيمانية لهذا الشعب العزيز، الاستمرار دون كلل، ولا ملل، ولا فتور.

وفعلاً حينما نكون- بتوفيق الله تعالى- في إطار هذا التَّحَرُّك، الذي هو جهادٌ في سبيل الله تعالى، وتَحَرُّكٌ حُرٌّ، يُعَبِّر ويشهد على حُرِّيَّة هذا الشعب، على عِزَّته، على إيمانه، على كرامته؛ فهـذه الحالة الإيجابية، العظيمة، المشرِّفة، لا ينبغي أن يساورنا فيها أيٌّ من مشاعر الملل، أو الفتور.

الحالة المملَّة، الحالة المخزية، الحالة المقيتة، هي الحالة التي هي أشبه بموت، تعاني منها كثيرٌ من بلدان هذه الأُمَّة، اللا موقف، اللا تحرُّك، اللا إحساس، انعدام الشعور بالمسؤولية، انعدام التفاعل مع أحداث كبيرة، مع مخاطر تستهدف الأُمَّة، حالة القعود والركود الأشبه بالموت في كثيرٍ من بلدان هذه الأُمَّة، هي الحالة المملَّة، الحالة السيئة، الحالة المخزية، التي لا ينبغي القبول بها، ولا البقاء عليها.

أمَّا حينما يكون شعبٌ كشعبنا العزيز، فيما هو فيه: من حياة، من حركة، من موقف، من شرف، من جهاد، من عِزَّة، من كرامة، من حُرِّيَّة حقيقية، فهذه نعمة كبيرة جدًّا.

شعبنا العزيز في هذه النهضة، في هذا التَّحَرُّك العظيم، في هذا الموقف المشرِّف، في هذه الاستمرارية دون توقف، لم يتأثر بما أثَّر على كثيرٍ من البلدان والشعوب، وعلى كثيرٍ من الأنظمة، وعلى كثيرٍ من الحركات والقوى، لم يُكَبَّل ولم يُقَيَّد بالمخاوف.

كثيرٌ من أبناء هذه الأُمَّة قيَّدتهم وكبَّلتهم المخاوف، يخافون من أمريكا، يخافون من إسرائيل خوفاً شديداً، خوفاً إلى درجة أن أنساهم الخوف من الله، في تقصيرهم، في مسؤولياتهم أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، مسؤولياتهم الدينية والإيمانية، هم يخافون إلى درجة عجيبة من أمريكا وإسرائيل، والبعض منهم يُعبِّرون عن مخاوفهم تلك، وعن ذلهم، وخضوعهم، واستكانتهم الناتجة عن تلك المخاوف.

شعبنا العزيز بانتمائه الإيماني أولاً: أيقن وآمن أنه لا ينبغي أن نخاف من غير الله، أكثر من خوفنا من الله؛ ولـذلك الخوف هو من أن نقصِّر أو نفرِّط في مسؤولية بيننا وبين الله، فيعاقبنا الله، عقوبة الله هي أشد من كلِّ عقوبة، وأشد من أيِّ عذاب، ومن أيِّ عقاب، {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[التوبة:13]، {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:175]، شعبنا آمن بهذه المعادلة: معادلة أنَّ الذي يجب أن نخافه: هو عقاب الله، عذاب الله، أن نحسب حسابه: هو الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

وكذلك وثق بالله، وثق بأنه بالاستجابة لله، بالإمكان أن يكون في موقفٍ قويٍ، عزيزٍ، منتصرٍ، ثابتٍ، إذا لحق به شيءٌ من أعدائه، فيمكن أن يلحقهم كذلك- في المقابل- التنكيل، أن تلحق بهم أيضاً الضربات المنكِّلة والموجعة، على قاعدة: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ}[النساء:104].

آمن ووثق بأن مشكلة هذه الأُمَّة هي في توجهاتها الضعيفة، ومواقفها الضعيفة، هي التي أضعفتها؛ وإلَّا فبثقتها بالله، واعتمادها على الله، والتجائها إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، يمكنها أن تكون في الموقف الأقوى.

الانتمــاء الإيمـاني يعلِّمنــا: الاعتماد على الله، والتَّوَكُّل على الله، والثقة بالله، وأن نسعى لأن يكون الله معنا، وحينما يكون الله معنا؛ نحن حتماً الأقوى في مواجهة أيِّ عدو، مهما كانت إمكاناته، ومهما كانت قدراته.

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}[آل عمران:173]، في هذا الزمن كم هي وسائل الإعلام الكثيرة جدًّا، من وسائل الإعلام المحسوبة على هذه الأُمَّة: من قنوات فضائية، من إذاعات، من مواقع في الإنترنت، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، من لديهم هذا المنطق: التخويف من أمريكا، الإرجاف والتهويل، الحديث دائماً عن القدرات الإسرائيلية والأمريكية بأسلوب التهويل، والتيئيس لهذه الأُمَّة من إمكانية الوقوف بوجه ذلك العدو، ويطلبون من الناس الخشية، {فَاخْشَوْهُمْ}[آل عمران:173]، يريدون من الجميع أن يخشى أمريكا، ولكن ماذا عن المؤمنين؟ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران:173]، {حَسْبُنَا اللَّهُ}: يكفينا الله، هذا منطق المؤمنين؛ لأنهم يعتمدون على الله، يثقون به، يثقون بوعده بالنصر، يتوكَّلون عليه، علاقتهم الإيمانية بالله في مستوى الاستعداد التام أن يُضَحُّوا بأنفسهم في سبيل الله، إذا خسر الآخرون أنفسهم في سبيل الطاغوت، وثقتهم بوعد الله الحق أنَّه يحقِّق النصر، إلى درجة أنهم يحتسبون كل عناءٍ في سبيل الله، أنه عناءٌ مثمر، عناءٌ له نتيجته العظيمة، عاقبته المحمودة:

-         في الدنيا: نصراً، وعِزّاً، وكرامةً.

-         وفي الآخرة: رضوان الله وجنته.

ولهـذا هو الاتِّجاه الصحيح.

شعبنا العزيز أيضاً لم تقيِّده المطامع، وعنوان المصالح، الذي أثَّر على كثيرٍ من الأنظمة والقوى والشخصيات، بل أصبح أساساً لمواقفهم، عنوان المصلحة الزائفة الوقتية، التي هي في مقابل بيع الإنسانية، بيع الحُرِّيَّة والكرامة، بيع الدين، بيع النفس، القبول بالذل، والاستسلام، والخنوع، والعبودية لأمريكا وإسرائيل، مقابل مصالح زائفة وقتية، وأكثرها وهم، لا تتحقَّق لهم كما يأملون.

وشعبنا العزيز لم يعمَ عن الحقائق؛ لأنه أبصرها بالقرآن، أبصر حقائق الواقع عن العدو، وحقيقة هذا العدو، توجُّهات هذا العدو، أهداف هذا العدو، ممارسات هذا العدو، أبصرها بالقرآن الكريم؛ فرآها كما هي، ورأى العدو كما هو بحقيقته؛ ولـذلك لم ينخدع بما يقدِّمه الآخرون، الذين يبررون انحرافاتهم، المنطلقة من منطلق اليأس، والشعور بالهزيمة، والروحية الانهزامية، وبعضهم أيضاً بمرض القلوب، بالانحراف وانعدام السلامة النفسية، والأخلاقية، والإيمانية، التي تجعلهم يوالون الأعداء، شعبنا العزيز آمن بالحقائق القرآنية عن العدو:

-         حينما قال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]، شعبنا صدَّق الله، وآمن بكلمات الله.

-         حينما قال الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:120]، شعبنا صدَّق الله، وآمن بكلمات الله.

انظر إلى سياسات معظم الأنظمة، تجدها قائمة على الاسترضاء لأمريكا، والاسترضاء لإسرائيل، على وهم أنها ستحقِّق لهم النتائج التي يرجونها من وراء ذلك، هذا الوهم بُعدٌ تامٌ وتباين تام مع هذه الحقيقة القرآنية التي أكَّد الله عليها.

من الأنشطة في هذا الأسبوع: كان إقامة صلاة الاستسقاء، ومن المهم الاستمرار في التَّضَرُّع، والدعاء، والإنابة إلى الله تعالى؛ ليمنَّ بالغيث، فالمعاناة من الجدب شديدة، والرجوع إلى الله تعالى، والإنابة إليه، والتَّضَرُّع، والدعاء، من أهم المواصفات الإيمانية، الاستغفار، والتوبة، والأمل بفضل الله وبرحمته، السعي لأن تكون الانطلاقة الإيمانية انطلاقة متكاملة، في التزامات الإنسان، في أعماله، في تصرفاته، قضية أساسية ومهمة، وبها يتحقَّق الوعد الإلهي، الذي وعد الله به عباده المؤمنين في كل أمورهم بالخير والعِزَّة والبركة، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف:96].

أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج يوم الغد- إن شاء الله تعالى- خروجاً مليونياً، عظيماً، مشرِّفاً:

-        ثباتاً على الموقف الحق.

-        ومواصلةً للجهاد في سبيل الله تعالى.

-        واستجابةً لله.

-        ونصرةً للشعب الفلسطيني المظلوم.

ينبغي أن يكون الخروج- إن شاء الله- كبيراً، عظيماً، واسعاً، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات، والمديريات، والساحات.

نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيه عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيهِ الأَعِزَّاء، وَأَنْ يَمُنَّ عَلَينَا بِالفَرَجِ والغَيث، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛